[sam_zone id=1]

ماهر منصور|

تغرد الحلقة الثامنة من مسلسل “دولار” للمخرج سامر برقاوي خارج سرب حكاية بحث “طارق” و”زينة” عن عملة الدولار، التي ستجعلهما يفوزان بجائزة نقدية بقيمة مليون دولار، كان أعلن عنها أحد البنوك ضمن حملة ترويحية لفروعه.

رحلة البحث التي تؤدي بصاحبيها في كل مرة إلى عوالم جديدة، تجبرهما بدورها للخضوع لقوانينها، ليست موضوعاً دراميا جديداً، فقد سبق وشاهدنا موضوعات مشابهة منذ سبعينيات القرن الفائت، وبالتحديد مسلسل “حمام الهنا” المنتح في العام 1968، حين ينشغل “غوار الطوشة” و”حسني البورظان” و”أبو صياح” بالبحث عن كراسٍ ورثها حسني عن جدته، تركت له فيها كامل ورثته.

بكل الأحوال، الموضوعات جميعها مطروقة، وليس موضوع مسلسل “دولار” وحده، لذلك يبقى ما يميز موضوع درامي عن آخر، ما ينبع منه من حكايات تأتي أهميتها من الشخصيات فيها والانفعالات والأفكار التي فيها، وهو ما جعل حلقات مسلسل “دولار” تتفاوت بمستواها على صعيد المضمون، على اعتبار أن كل حلقة فيه تفتح باب حكاية جديدة ضمن الحكاية الإطار، أي بحث “طارق” و”زينة” عن الدولار، وهو الأمر ذاته الذي جعلنا نتوقف عند الحلقة الثامنة من المسلسل دون سواها.

في الحلقة المختارة يصل “الدولار” المنشود إلى الدكتور الجامعي رفيق، الرجل المثقف والأكاديمي المهم، المفجوع بموت زوجته “كارمن” على نحو يدفعه رحيلها للتفكير بالانتحار، إلى أن يصل “طارق” و”زينة” في لحظة حاسمة ليوقفانه عن فعلته، بعد أن كان يوجه المسدس إلى رأسه، فيعرض عليهما مهمة قتله مقابل مليون دولار، فيضطران لمسايرته على أمل إقناعه بالعدول عن فكرة الانتحار. ويبدأ كل منهما بسلبه أشيائه الثمينة في البيت على أمل أن يكون بينها ما يدفعه للتخلي عن فكرة الانتحار. لكن الرجل بدا مستسلماً تماما لفكرته، فكان يتنازل لهما عن كل ما يطلبانه ويستعجل قتله بنوع من الغضب والضجر من الاثنين…

وسرعان ما تأتي الحبكة بالحدث الذي سيغير قرارات الدكتور “رفيق”… إذ يقطع صوت وقع أقدام انسيابية موسيقى سيمفونية “يوهانس برامز” الثانية التي كنا نسمعها في خلفية حوار الثلاثة، وهو الصوت الذي سيخبرنا الدكتور رفيق أنه يعود لزوجته، وقد التقطه مسجل الأغاني بينما كان يسجل سيمفونية “برامز”، حين دخلت زوجته على نحو مفاجئ، وأغضبت الدكتور رفيق وأدخلته جدلا معه بعد أن قامت من دون قصد بالتشويش على عملية التسجيل من خلال وقع اقدامها، وهو الجدل الذي تسجله الأسطوانة، بطبيعة الحال، ويصير مع الأيام، كما يقول الدكتور رفيق الشيء الوحيد الذي بقي من زوجته كارمن، وأغلى ما يملكه. وأمام إصرار “طارق” و”زينة” على اخذ مسجل الأغاني والاسطوانة على أساس انه لن يكون بحاجة لهما بعد موته، يقرر الدكتور رفيق فجأة الإقلاع عن فكرة الانتحار، لتخلص الحكاية إلى أن هناك دائما شيئاً قيما يستحق أن نعيش من أجله، وأننا حتى لو لم نكن نمتلك هذه القيمة، فربما نحن نشكل القيمة لآخر يعيش من أجلها.
وفق هذا الترتيب للأحداث في الحلقة، يمكننا القول إن قيمة الموضوع الحقيقة فيها، تكمن في شخصية الدكتور “رفيق”، فشخصيته لديها رغبة وإرادة، ولديها هدف تسعى إليه، وقد جاءت حبكة الحكاية لتحرك سكون إرادتها (فقدان القيمة في حياته والرغبة في الانتحار). بعد أن جاء كل من “طارق” و”زينة” لتحريك هذه الحالة الساكنة.

وبناء الحبكة على هذا النحو، والنسق العاطفي فيها وأصالته ضمن السيناريو، بالإضافة إلى ما أبدته من فهم عميق لمعنى التراجيديا…. تعكس كلها بمضمونها فرادة التعبير لدى كاتب سيناريو الحلقة، وقدرته على إيجاد ترتيب للعواطف يوازي ترتيب أحداث الحبكة في الحلقة، بما يجعل حكاية الدكتور رفيق شديدة التأثير، ويمنح شخصيته واقعيتها وصدقها الفني.

المبدأ الذي ينظم عمل كاتب السيناريو، أي ترتيب العواطف بالتوازي مع ترتيب أحداث الحبكة، سيمنح بدوره الموضوع قيمته وأهميته أيضاً…هنا نحن أمام شخصية خضعت لقانوني التكثيف والوضوح، وقد قدم السيناريو من صفاتها وتفاصيلها ما يجعل المشاهد يتابع حبكة حكايتها باهتمام: استاذ جامعي يفقد الرغبة في الحياة بفقدان زوجته فيقرر الانتحار، وفي مواجهة الانتحار كان على السيناريو تقديم فرضية لقوة دافعة للحياة تعادل قوة الرجل الدافعة للموت، ومع وضوح أسباب هذا الهدف لشخصية “رفيق”، نجح السيناريو في تقديم ترتيب عاطفي يجعل القوة الدافعة للحياة تكمن في ردود فعله العاطفية، فكما كان حب “كارمن” السبب في رغبته بالانتحار، سيعرف “طارق” و”زينة” كيف يدفعانه صوب الحب ذاته مجدداً ليكون السبب أيضاً في إقلاعه عن فكره الانتحار.

هكذا نجحت الحلقة الثامنة من مسلسل “دولار” بتقديم حدث يتميز بالثقل والمعنى، فيه من الذكاء والوعي والمخزون الوجداني الغالي ما نكاد نفتقده في دراما اليوم… ترى ماذا لو كانت بقية حلقات “دولار” بذات الجرعة من الثقل والمعنى…؟!

بكل الأحوال، دققوا بمتعة التجسيد لحكاية الحلقة الثامنة التي لم تخف نفسها في أداء عادل كرم وأمل بوشوشة، واستعيدوا وقع حضور جوزيف بونصار في قلوبنا وما حفره في ذاكرتنا…لتعرفوا ما ننتظره في الموسم الثاني من “دولار”، العمل الذي يعرض على “نتفلكس”.

في هذا المقال

شاركنا النقاش