[sam_zone id=1]

دمشق : آمنة ملحم|

عميد في جامعة خاصة في بيروت، يحمل الجنسيتين السورية والفرنسية، ليس صعبا تلمس كم التشابه في صفاته العامة مع أشهر محقق في العالم ذي الشخصية الخيالية شارلوك هولمز. فهو محقق استشاري يُستعان به في حل القضايا المستعصية مهما كانت مسوّرة بالألغاز ، يقرأ ويحلل ويتقمص دور المجرم ليستنتج بصمت، تلك المعلومات أغرت الروائية سلمى جابر (كاريس بشار) لتقحمه في قضية اختفاء زوجها التي تريد لها أن تحل بأسرع وقت مهما كان الثمن.

علاماته الفارقة تتجلى بحدة نظراته ونظارته الطبية التي يستخدمها عوضا عن مكبر هولمز الشهير، هو العميد مراد الجوخدار (تيم حسن) الذي استطاع أن يكون عميدا بأدائه و”بروفيسورا” بحضوره الطازج ولغة جسده الحذرة و المتقنة التي نطقت بكل لحظة قرر فيها الصمت، لتكون لغته عوضا عن كلماته .

الفنان تيم حسن في مسلسل “العميد” (ألفه وأخرجه باسم السلكا ويعرض على منصة “شاهد”) لبس ثوب الاتزان الكلي المتكئ على حركات الجسد في التعبير البعيد عن الثرثرة، الملتزم بالجدية لأبعد حد منذ ظهوره الأول، محققا بتلك السمات الانصهار في معالم الشخصية التي يجسدها والتي قدمها الكاتب على لسان الروائية سلمى الجابر منذ المشهد الأول في العمل، فلا يمكنك أن تراه سوى مراد الجوخدار، ذلك العميد الذي يشع ذكاء وفطنة ، لكنه فاتر التعامل مع محيطه، متخذا من الوحدة وهوس لعبة ” البلياردو ” نمطا لحياته، فهو يعتبرها كما يقول لسلمى جابر في احد حواراته معها الوسيلة الوحيدة للهروب من المحيط، ولكن اختيار تلك اللعبة يحسب أيضا للكاتب، فهي لعبة الذكاء والدقة وبالتالي جاء حضورها في حياة العميد الخاصة مدروسا وليس عشوائيا، متناسقا مع شخصيته وانفراده معها لساعات بعيدا عمن حوله.

رغم كل تلك الجدية في شخصية البروفيسور مراد والمرشح لرئاسة الجامعة في بيروت، نراه ينجرف وراء عواطفه ليغير مسار حياته من أجل نفحات حب دخلت قلبه دون استئذان، بطرح بعيد عن المبالغة في الرومانسية، فهي لم تغير من سماته العامة، وهنا يكمن التركيب الواضح في الشخصية التي أداها حسن بصدق عال يجعل المشاهد ينجذب لخياراته ويقتنع بها، ويندمج بانفعالاته ولو كانت على حساب القانون. وهو رجل القانون الذي كرس حياته لأجله، ولكنه بلحظات انسانية يقضيها بين صفوف النازحين من بلده في مخيمات اللجوء، ومع اكتشافه لجرائم يصعب تقبلها يخلص- وفق حديثه مع الرائد يوسف (بديع أبو شقرا) في الحلقة الأخيرة من العمل- بأن كل ما وصل له في حياته العملية من أمجاد وما تعب عليه لا يعادل يوما واحدا مما استفاد منه في ذلك المخيم، قارعا بذلك جرس الإنسانية وفاتحا لأبوابها على مصراعي الحياة المأساوية التي يعيشها كثر ، من دون حتى الالتفات لحالهم.

وهنا تعود الشخصية لتتقاطع بما فعلته مع تصاعد الأحداث مع سمات هولمز، فقد كان معروفا باستعداده لليّ عنق الحقيقة أو تجاوز القوانين، من أجل مصلحة موكليه وزبائنه “كالكذب على الشرطة، أو إخفاء الأدلة، أو اقتحام المنازل والملكيات الخاصة”، مادام يمكنه تبرير ذلك أخلاقياً. ذلك التبرير الذي اعتنقه العميد مراد غير آبه بتنحيته من قبل النائب العام عن القضية، بعد موت كل من شقيق “هشام” المتورط قبل معرفة هويته من الشرطة بملاحقة العميد مراد له، وكذلك” هالة” العاملة في الفندق الذي يشكل مسرح الجريمة، بعد محاولة العميد تهديدها لتنطق بالحقيقة، فهما كانا شاهدين بنظر الرائد يوسف، وخسرتهما القضية نتيجة التصرف الشخصي للعميد.

العميد مراد يخلع رداء القانون إذاً عندما تمس القضية الجانب الإنساني والاخلاقي من حيز تفكيره، ويدل على ذلك بقاؤه ثابتا على موقفه رغم أن كشف حقيقة تلك الجريمة كلفه مستقلبه وسمعته المهنية، وربما سنوات من عمره سيقضيها في السجن، لكن نهاية العمل تُركت مفتوحة على اكثر من احتمال كنهاية يمكن وصفها بالذكية، تماما كحبكة العمل عموما، وكأنما هي تمهيد لموسم جديد للمسلسل.

تفنن بطل “الهيبة” في أداء المشاهد الصامتة بتلون لافت، فصمته أمام المحقق “الرائد يوسف” الذي شاطره التحقيق في قضية اختفاء “عامر” زوح الروائية سلمى كان مصحوبا بنظرات تحد أحيانا وخجل من خروجه عن القانون أحيانا أخرى. بينما صمته أمام عيني سلمى الجابر كان من نوع آخر. عدا عن صمته في حياته العامة والذي كان نمط عيش غالبا، لكن ذلك الصمت كان مغريا للفرجة بكاريزما عالية يتمتع بها حسن، مستفزا به من حوله، ومركبا له على مقاس شخصية المحقق التي عادة ما تكون مؤطرة بصفات داخلية وخارجية لا يمكن للممثل الخروج عنها، إلا أن حسن بدا متحكما بمسار الشخصية، يديرها كيفما يشاء بفصل تام بين الأمكنة، فهو البروفيسور الحازم في الجامعة، والمحقق المصر على الوصول الى الحقيقة رغم العثرات، وكذلك الرجل الحساس أمام توسلات امرأة، والانساني جدا أمام قض مضجع الطفولة.

تيم حسن، الذي اعتاده الجمهور في السنوات الأخيرة بشخصية “جبل شيخ الجبل”، اثبت من جديد أنه “بروفيسور” أيضا، وعميد أداء في الدراما بأكاديميته وحرفيته العالية، وانغماسه بتفاصيل أي شخصية قد يتولى تجسيدها، الأمر الذي حقق قبولا عاليا لدى الجمهور ودفعه للمطالبه عبر السوشيل ميديا بالمزيد من هذا النوع من الأعمال، فهل سيكون “العميد” ( إنتاج Kingset DKL Production ) مستمرا كما عشرات القصص التي تناولت مغامرات شارلوك هولمز ؟

في هذا المقال

شاركنا النقاش