دمشق: آمنة ملحم|
بالأبيض والأسود تحديدا، اختار صناع اسكتشات “ببساطة” الولوج الى الشاشة مع بداية كل لوحة من لوحاته، وربما بدا هذا النمط في بادئ الأمر غريبا للبعض، ولكن بالعودة الى علم الألوان سنجد أن الأبيض والأسود رسميا لا يدخلان في تصنيفات الألوان، فكل منهما ليس لوناً، وإنما يعبران عن النور والعتمة في الحياة الواقعية، ونُسقطهما على أعمالنا الفنية لتُضفي عليها بعضا من الواقعية.
وبالاستناد إلى تلك القاعدة، بدا انه اختيار ذكي لعمل غايته محاكاة يوميات المواطن السوري بأسلوب كوميدي ساخر، ممزوج بألوان الحياة الزاهية والقاتمة التي لا يمكنها أن تتكامل في ما بينها، إن لم يدخلها ومضات من الأبيض والأسود.
وبعد عرض حوالى ثلاثين من أصل خمسين حلقة صورت، بمعدل عرض لوحتين يوميا على قناة “لنا” السورية، وذلك كفواصل بين البرامج والأعمال الفنية، يمكننا القول أن العمل دخل بيوت السوريين، كما اسمه “ببساطة”، حيث امتاز بمعظم لوحاته بالابتعاد عن “الكركترات” الفاقعة، أو المبالغة في الظهور أو الطرح، بل جاء متوازنا لناحية اختيار الموضوع وآلية طرحه، وكذلك ظهور أبطاله على الشاشة.
عموما العمل، الذي يخرجه سيف الدين سبيعي، يعتبر جرعة مكثفة من طروحات تلامس اليوميات السورية بمختلف النواحي الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية وحتى النفسية، حيث يحسب لكتاب اللوحات ( مازن طه، ونور شيشكلي، ورنا الحريري، وباسم ياخور) البعد عن المباشرة في الطرح، واعتماد الرمزية والاسقاطات على الواقع احيانا، والتنوع في اختيار موضوعاتها ووضعها تحت المجهر امام الجمهور.
وقد كان لآثار الحرب النفسية والاجتماعية والمعيشية حضور طريف في لوحات عدة، كأول لوحة عرضت من العمل “تعبان يا قلب” والتي تخطت خلال عشرة أيام المليون مشاهدة عبر “يوتيوب”. ولوحات أخرى حملت الغصة أحيانا أكثر من الضحكة كلوحة “مزاد عاطفي”، و”سلبطة”…. كما تم تناول العلاقات الزَوجية بجو من الفكاهة عملا بمبدأ المضحك المبكي، كلوحة ” تلقين”. ولم يغب موضوع المغالاة في عمليات التجميل عن طروحات العمل الساخرة كما في لوحتي “جمالك مع جانيت” و”عقد صيانة”. وكذلك حضر الهوس ب”السوشيل ميديا” في “كلمات رثاء” التي عكست حال كثر يحسبون أنهم بأزرار “الكيبورد” يملكون حتى حياة الغير، وربما مع لوحة “صهريج الضحك” تمنى كثر لو أن الضحك يبقى مستمرا فعلا كنمط حياة، في وجه كل ما يعترضهم من عثرات.
ورغم أن التيمة الرئيسية للعمل كلوحات ناقدة ساخرة مطروقة بكثرة في الدراما السورية، إلا أنه يتفرد بالتحرر من قيود العرض الرمضاني، وتصميم اللوحات على مقاس ساعات العرض وعدد أيام شهر الصوم. كما يعتمد التكثيف في الطرح والصورة حيث لا تتجاوز أي من لوحاته مدة العشر دقائق، فلا مكان للمطمطمة أو الثرثرة، بل المساحة محجوزة للفكرة فقط، عدا عن كونه عملا معاصرا ويوميا، وكأنه لسان حال السوريين وفسحة لاستعراض مطباتهم على الشاشة.
و”ببساطة” يعتبر بمثابة مشروع، وليس مجرد عمل انطلقت فكرته مع الفنان باسم ياخور، ولن يتوقف في الوقت الحالي على الاقل، حيث من المخطط استمرار العرض على مدى عام كامل. وياخور الذي كان أحد مؤسسي السلسلة الشهيرة “بقعة ضوء” مع الفنان أيمن رضا والمخرج الليث حجو، يحمل في هذا المشروع الحديث نظرة جديدة، فهو بطل متلون بكركترات لا تشبه أي منها الأخرى في كل لوحات العمل، التي لا يغيب عن اي منها. وهنا وعلى الرغم من اتقان الأدوار وقولبتها تبعا للشخصية، إلا أن هذه الورقة نفسها قد تنقلب على ياخور مع الوقت عبر امكانية الوقوع بفخ التكرار، أو قد يُتهم بإعادة تكريس فكرة البطل الأوحد، التي تسعى الدراما السورية الى تجاوزها دائما.
ويشارك في بطولة العمل عدد كبير من الفنانين منهم : محمد حداقي، رنا شميس، فادي صبيح، جمال العلي، جرجس جبارة، أحمد الأحمد، اندريه سكاف، مصطفى المصطفى، مازن عباس، آمال سعد الدين، ونورا العايق وآخرون.
شاركنا النقاش