فاتن قبيسي|
منذ 21 آب الماضي، انتقل المخرج الليث حجو، مع عدته وعديده البالغ 77 شخصا بين ممثل وتقني، الى منطقة “عين دراهم” الجبلية، على الحدود التونسية- الجزائرية، لتصوير المسلسل الكوميدي “الواق واق”، متغلباً على ظروف مناخية “مزاجية” وجغرافية شائكة. على أن ينتقل وفريقه الى الشواطىء التونسية، حتى انتهاء موعد التصوير في التاسع من الشهر المقبل.
و”الواق واق” هو الأحدث في سلسلة أعمال، أرشف من خلالها حجو لمراحل الأزمة السورية، مستخدما الدراما والكوميديا على حد سواء، كمشرط لتشريح المجريات، بكل ما تحمله من سواد وألم. وفيما واكب الأزمة درامياً من خلال “سنعود بعد قليل”، و”الندم”، فإنه استطاع إلباسها لبوس السخرية من خلال جملة أعمال كوميدية، بدأت بعد مسلسله الشهير “ضيعة ضايعة” (الذي انتهى مع طلائع الأزمة)، وذلك انطلاقا من “الخربة” الذي واكب ما سمي بالربيع العربي، مرورا ب”ضبوا الشناتي” الذي عكس يوميات السوريين اثناء الحرب، وقرار الهجرة عبر البحر، وصولا اليوم الى “الواق واق” الذي يواكب ما بعد الهجرة، مع غرق سفينة تقل مجموعة من المهاجرين، قبالة إحدى الجزر النائية.
.. ومن هنا، جاءت تسمية العمل ب”الواق واق” التي تعني الجزر المتخيلة عبر الاساطير، والتي ترمز الى المكان البعيد وغير المعروف.
وهكذا لا يعيش الليث حجو انفصاما مع الواقع البتة- كما يفعل بعض اهل الدراما- بل يطارده بكاميرته. انه المخرج السوري الذي عمل طوال سنوات الأزمة السورية بصمت طويل، بعيدا عن اي إطلالات إعلامية. استغل الوقت بمراقبة المشهد والتحولات، لمواكبتها فنيا. وهو لا يكتفي بالمعاينة الميدانية للأحداث، بل يلتهم الكتب لتعميق اطلاعاته. وعندما يترك دمشق لزيارة بيروت، لا يعود منها الا بجملة كتب من “مكتبة انطوان”، التي تقع في محيط المقاهي التي يحب.
يغريك الحديث مع المخرج الشاب المثقف، الذي يعيش الفن، شأنه شأن والده الفنان الراحل عمر حجو، كإلتزام أخلاقي ووطني، في مقابل الطارئين على المهنة، وهم باتوا كثر اليوم في سوريا. وهو اليوم يراهن على نجاح “الواق واق” (شركة “ايمار الشام”) الذي سيعرض في رمضان المقبل، انطلاقا من توأمته مع الكاتب ممدوح حمادة، شريكه في أعماله الكوميدية، ومن رهانه على ابطاله وهم: رشيد عساف، باسم ياخور، شكران مرتجى، احمد الأحمد، محمد الحداقي، جرجس جبارة، جمال العلي، مرام علي، رواد عليو، مصطفى المصطفى، سوزانا الوز، والممثل اللبناني طلال الجردي…
حول “الواق واق” وأمور اخرى، كان هذا الحوار مع الليث حجو:
* من الصور الأولية التي وصلتنا من اجواء التصوير، يتضح ان ثمة مبالغة ” بالكركتيرات” لناحية الشكل واللباس والاكسسوارات، الا تخاف من الوقوع في مطب التهريج؟
– التهريج في كل الاحوال هو نوع من اصعب انواع الكوميديا. وأشهر كوميدي على الاطلاق وهو شارلي شابلن استخدم بمعظم ادواره هذا النوع من الكوميديا. في “الواق واق” لم نقدم عملا ينتمي الى هذا النوع، ولكن استعرنا عنصرا واحدا يمكن ان ينسب له وهو شاربا القبطان ( باسم ياخور). اما بقية الشخصيات فلم يكن في شكلها ما ينتمي الى نوع التهريج، وانما هي “كركتيرات” تنتمي الى الواقع وتقدم بطريقة طريفة.
* وكأنك تدافع عن التهريج؟!
-التهريج ليس تهمة لكي ادافع عنه. عندنا يخلطون بين فن التهريج والوقوع في الابتذال، ويعود السبب لمشكلة في التصنيفات النقدية عندنا. وعندما نلجأ الى التهريج او نستعير بعض عناصره أحيانا، فاننا نفعل ذلك لغايات مختلفة، منها على سبيل المثال تمرير مقولات معينة او “كريكترات” ساخرة قد لا تمر على الرقابة.
* ولكن السخرية مما؟ من أزمة المواطن السوري الذي يحلم بالهروب؟ ام من بلاد اللجوء..؟
– السخرية هي جنس ادبي وفني يميزها طريقة الطرح، ويمكن ان تكون مستقاة من معاناة المواطن السوري او حتى المواطن العربي عموماً. وفي عملنا نحن لا (نسخر من) وانما (ننتقد ماذا؟ )، لأن وظيفة الفن الساخر هي النقد لا السخرية بمعناها المتداول. وبالتالي فاننا يمكن ان ننتقد عبر هذه السخرية جميع الظواهر التي نراها من وجهة نظرنا سلبية، ويمكن ان تكون السخرية مرّة وسوداء، وهدفها بكل الاحوال ليس المواطن الذي يعاني، وانما ما تسبب له في تلك المعاناة.
* كيف تفرّق في اعمالك بين التهريج لصالح الكوميديا، والكوميديا لصالح الرسالة؟
– حين نستعير عناصر التهريج والتي تنحصر عادة في الشكل، وضمن ذلك الحركة والنطق، فاننا ندرس ذلك ونحاول عدم تجاوز الشعرة التي تفصل بين الكوميديا بما فيها التهريج وبين الابتذال. ونحتاج دائما لحساسية شديدة من اجل التنبؤ بانطباع المتلقي مسبقا. ويساعدنا في ذلك عادة نصوص الكاتب ممدوح حمادة، التي تدمج الكوميديا بالمقولة بما يضمن للمشاهد المتعة البصرية والتحريض العقلي بتتبع الرسائل الواضحة والخفية في العمل. وكمخرج لا يمكنني وحدي تحديد الشكل الذي سأقدمه، فالنص يلعب دورا كبيرا في ذلك. وانطلاقا من نصوص حمادة وحساسيتها، أقول أن هناك ضمانات أرجو ان نكون قد التزمنا بها.
* في ظل تجنب الابتذال الرائج في البرامج الكوميدية على شاشاتنا، الى اي حد يصبح إضحاك المشاهد امر صعب؟
-ربما الضحك هو اصعب رد فعل يمكن الحصول عليه من المشاهد. وأعتقد انه كلما كانت الدراما اقرب الى واقعنا كانت اكثر تأثيرا، وكلما وقعت في الابتذال فانها تفقد مفاتيح الاضحاك. ولعل اصعب الأنواع هو ما يطلق عليه المضحك المبكي، أي ان تحصل من العمل نفسه على رد فعل مزدوج، الاضحاك والابكاء. وعادة ما تكون مثل هذه الاعمال محملة بمقولات يؤثر طرحها على المشاهد نتيجة قربها منه.
* انطلقتْ الفكرة في “الواق واق” من هجرة السوريين عبر البحر، ووصلت الى موضوع الهزائم في العالم الثالث والفساد المستشري فيه. كيف تعالج مثل هذه الإشكاليات الكبيرة في مسلسلك؟
– لا ينطلق “الواق واق” من هجرة السوريين الحالية حصرا، وانما يتطرق الى مشكلة عالمية موجودة قبل هجرة السوريين. فالفكرة مطروحة قبل ذلك بكثير، حيث ان الهجرة من العالم الثالث تعود تاريخيا لزمن بعيد، وهجرة السوريين جاءت ضمن السياق المطروح.
العمل يطرح فرضية حول مدى قدرتنا كشعوب عالم ثالث على اعادة بناء مجتمعاتنا بصيغة جديدة، اذا توفرت لنا الفرصة. فأبطال العمل الذين تتوفر لهم ارض خالية من السكان، يكون لديهم امكانية بناء مجتمع مثالي، تتوفر فيه خيرات الارض، وجمال الطبيعة وإمكانية الحياة المرفهة. ولكن رغم قلة عددهم لا يسيطرون على اطماعهم الشخصية وامراضهم الاجتماعية المتأصلة فيهم.
* ولكن حمادة صرّح سابقا ان معايشته للحرب الأهلية اللبنانية شكلت خلفية لكتابة النص. هل هذا صحيح؟
– بل ذكر حمادة الحرب اللبنانية ردا على سؤال من اين يستقي احداثه وهو خارج سوريا، فطرح ذلك مثلا على عمل “ضبو الشناتي”، حيث مر بظرف مشابه في الحرب اللبنانية مما ساعده على تخيل الموقف في سوريا. اما احداث “الواق واق” فهي لا تنتمي لزمن ولا تحتاج لبيئة ننطلق منها. ولا اختلاف بين لبنان وسوريا والعراق وفلسطين بالجوهر، وان اختلفت الأسباب والتفاصيل. فالظروف كلها تؤدي الى النتيجة ذاتها: البحث عن مستقبل افضل. فهذا ما حدث في ظل الشتات الفلسطيني منذ سنوات طويلة، وهو ما نتج ايضا عن الحرب اللبنانية التي ادت الى هجرة كبيرة، وتكرر مع العراق الذي تعرض لهجرتين الاولى بسبب الاستبداد والثانية بسبب الحرب. المسلسل يحكي عن الهزائم والفشل والفساد عبر امتداد هذا التاريخ في اوطاننا. وقد تمكن الكاتب حمادة من تلخيص ذلك في نص يجمع بين الفن والمحتوى والمتعة.
* ذكرت في حديثك الرقابة. هل أصبحت متشددة اكثر في سوريا بعد الأزمة؟
– بالنسبة لي، لم أواجه مشكلة في هذا المجال، بدءا من “بقعة ضوء” في الماضي، وصولا الى عملي الاخير “الندم”. وانا لم اقصد الرقابة السورية كمؤسسة رسمية، بل الرقابة الفردية من قبل المتلقي. وهذا يهمني جدا.
* تقوم بتصوير مشاهد يشارك فيها حوالى 17 ممثلا دفعة واحدة. كيف تدير كمخرج هذا العدد من الممثلين، وكيف تضبط الاداء؟
– ان ذلك هو من اصعب الأمور التي اقوم بها. فلكل ممثل “كركتير” خاص، وله ردة فعل مختلفة، ويشكل مع ذلك جزءا من المشهد. علينا توظيف كل هذه التفاصيل والتباينات في وقت واحد. وما يساعدنا هنا هو التحضيرات الطويلة المسبقة، وشرح المشهد والمطلوب من كل لقطة، والتعاون على اننا جميعا كممثلين وفنيين شركاء في العمل.
*هل صحيح ان نص “الواق واق” كتب منذ اعوام، ثم أعيدت كتابته مؤخرا؟
– هناك فعلا محاولات قديمة للإتيان بهذا المسلسل، وتحديدا بعد انتاج “ضيعة ضايعة” في العام 2009، ايام الراحلين المنتج أديب خير والفنان نضال سيجري. وتم كتابة عدة حلقات نموذجية آنذاك، ولكن تم تأجيله بسبب التطورات، التي واكبناها من خلال “الخربة”، و”ضبوا الشناتي”، ليحين اليوم وقت تنفيذ “الواق واق”. لذا قام مؤخرا الكاتب بتعديل النص، وفقا لتطور الظروف، فهو مجتهد ومرن، وما زال حتى اليوم يعدّل بعض المشاهد، ونحن في خضم التصوير.
* تطالب غالبا قبل التصوير بتعديل نصوص مسلسلاتك. تفعل ذلك حماية للعمل ام حماية للكاتب، كي لا يفاجأ بعد التصوير بتعديلات طالت نصه في “اللوكيشين” دون علمه؟
– النص هو بداية النجاح. واحدى مهام المخرج اختيار نص جيد. انا لست مع مقولة “نصنع من نص ضعيف عملا جيدا”. انا مع تعديل النص مسبقا بالاتفاق مع الكاتب، واذا لم يكن هناك اتفاق بينه وبين المخرج على المقولة كأساس، فالعمل لن ينجح حتما.
*ولكن المخرج هشام شربتجي صرح مؤخرا بأن المخرج أهم من النص .
– كل الاحترام للاستاذ هشام، ولكنني أعتقد أن لا عنصر أهم من الآخر. العمل برمته هو جهد جماعي. أي عنصر ضعيف يعرّض العمل للفشل. قائد الأوركسترا مهما كان عظيماً، سيفشل بالتأكيد لو كان معه عازف واحد يعزف نشازاً.
* ماذا بعد “الواق واق”؟ هل ستتوجه فعلا لإخراج مسلسل “الطريق” لشركة “الصباح” (عابد فهد ونادين نسيب نجيم)؟ وكيف ذلك والكاتبة ريم حنا صرّحت بعد “لعبة الموت” بأنها لن تعمل معك مجددا.
– عدت وريم حنا وتعاونا سويا في ” 24 قيراط”. لم أردّ وقتها ولن افعل اليوم. انها صديقة بغض النظر عما قالته. اليوم انا متفرغ كليا ل”الواق واق”، ولدي التزام اخلاقي وتعاقدي مع شركة “الصباح”، ولكن التفاصيل متروكة لما بعد الانتهاء من عملي الحالي، علما انه تربطني بالقيمين على الشركة صداقة قديمة.
* تفضل الكوميديا اكثر ام الدراما؟
– الكوميديا.. وإن كنت أستمتع خلال إخراجي لنص درامي جيد ومغر. وأشكر الله أنني أخرجت بعض الاعمال الدرامية، وآخرها “الندم”. (بالتزامن مع جريدة “الاتحاد” اللبنانية)
شاركنا النقاش