ضياء عبد الوهاب|
استطاع الكاتب البريطاني ريتشارد كي مورغان في روايته “الكربون المعدّل” سنة 2002 تخيّل ما سيغدو عليه التقدم التقني لتكنولوجيا المعلومات الذي وصلنا إليه في يومنا هذا. بل ذهب أبعد من ذلك، إلى قدرات قد نصل إليها في المستقبل، مؤكداً مقولة ألبرت آينشتاين: “إن الخيال أكثر أهمية من المعرفة، فالمعرفة محدودة، بينما يحتضن الخيال العالم بأسره، فيحفز التقدم ويخلق التطور”.
وكانت كاتبة السيناريو لايتا كالوغريديس قد حصلت على حقوق تحويل هذه الرواية إلى إنتاج تلفزيوني منذ نشرها، لكن محتوى الرواية المعقد تسبب بصعوبة بيع النص لشركات الإنتاج، إلى أن قامت شبكة “نيتفلكس” بطلبه سنة 2016، وتم إنتاجه من قبل “سكاي دانس” التلفزيونية وميثولوجي للترفيه، وبثه على الانترنت من قِبل “نيتفلكس” في الثاني من الشهر الجاري، بميزانية هي الأضخم في فئة مسلسلات الخيال العلمي.
تجري أحداث المسلسل في نهاية القرن الرابع والعشرين، حيث أصبح من الممكن تخزين الوعي البشري وكامل معلومات الدماغ رقمياُ في جهاز صغير يدعى محفز القشرة الدماغية، يزرع في قاعدة الدماغ لأي جسد ترغب به، مما يجعل الجسد البشري عبارة عن بدلة، يمكن تغييرها في أي وقت طالما أنك تملك المال اللازم. وفي حال عدم تعرض محفزك لأي ضرر فأنت تعيش للأبد. وكلما مات الجسد الذي ترتديه يتم نقل وعيك إلى جسد جديد.
وبناءً على طلب أحد أغنى رجال الكوكب لورينز بانكروفت، يتم إعادة وعي تاكاشي كوفتش في جسد جديد، وهو أي تاكاشي جندي سابق تم إنهاء جسده قبل 250 عاما لتحويله إلى صف المبعوثين وهي المعارضة التي لا تريد أن يستمر الإنسان بالعيش إلى الأبد، وسبب إعادة إحيائه هو التحقيق في جريمة قتل بانكروفت نفسه، حيث تم إطلاق النار على محفزه. لكن بما أن بانكروفت غني جداً فهو يقوم بنقل وعيه كل 48 ساعة إلى قمر صناعي يملكه على شكل ذاكرة احتياطية، حيث يتم ذلك بشكل آلي وعن بعد، وبذلك تم استعادة وعيه وذكرياته كاملة، عدا آخر ما يقارب 48 ساعة لا يعرف ما حصل فيها. وهنا يأتي دور كوفتش الذي يتمتع بالعديد من الخبرات نظراً إلى ماضيه، ويوضع أمام خيارين: اما أن يحقق بالحادثة ويحصل على عفو شامل والكثير من المال، أو يعود الى السجن الى الأبد.
تتشابك الأحداث عندما يلاحق عدد من المجرمين تاكاشي في محاولة للنيل منه، وذلك لأن الجسد الجديد الذي تم زرع محفزه فيه، يعود لشرطي سابق اتهم بعملية قتل وله العديد من الأعداء. وتتم محاولات قتله بناءً على أنه ذلك الشخص. وفي خضم عملية التحقيق التي يقوم بها تاكاشي يتعرف على خفايا وأسرار بانكروفت وعائلته، وبنفس الوقت يتم الكشف عن ماضي تاكاشي نفسه من خلال “الفلاش باك” كقتله لأبيه طفلا ليحمي أخته منه، بعد أن عجز عن حماية أمه. وتبقى خيوط الأحداث الماضية لحياة تاكاشي والأحداث المرتبطة بمقتل بانكروفت مبهمة بالنسبة لنا، لتتكشف تدريجياً خلال الحلقات وبشكل كامل في نهاية الموسم.
بمنظور المسلسل ورغم التقدم والتطور الذي وصل إليه الانسان، فالسلام عبارة عن وهم، والحرب هي الشيء الوحيد الذي نفهمه، فالصراع الطبقي ما زال موجوداً فقراء لا يستطيعون شراء أجساد جديدة وأغنياء يملكون العديد من الأجساد والنسخ الرقمية، حيث لم تستطع كل التقنيات في جعل العالم يعيش بسلام.
يتألف المسلسل من عشر حلقات، تم عنونة كل حلقة باسم أحد الأفلام الكلاسيكية خلال الأربعينيات والخمسينيات. شارك في إخراجه ستة مخرجين بشكل منفصل، وتم اختيار المخرج ميغيل سابوتشنيك (أحد مخرجي مسلسل “صراع العروش”) لإخراج الحلقة الأولى. وقد تلقى المسلسل انتقادات أغلبها إيجابية مع بعض الآراء السلبية ركزت على موضوع العنف الزائد فيه.
واستطاع المسلسل أن يحتل المرتبة الأولى في قائمة المسلسلات الأكثر شعبية بعد أقل من عشرة أيام على بثه، وان يحوز على 8.5 نقطة على موقع IMDb. ونرى انه يمكن أن يجدد لمواسم قادمة باعتبار أن ريتشارد كي مورغان قد ألف روايتين أخرتين (“الملائكة المتكسرة” 2003 و”استيقاظ الغضب” 2005) لبطل رواية “الكربون المعدل” تاكاشي كوفتش، وقد صرح مؤخراً أن اقتباس روايته من قبل “نيتفلكس” قد أيقظ فيه شخصية كوفتش، ويمكن أن يكتب المزيد.
شاركنا النقاش