[sam_zone id=1]

دمشق: آمنة ملحم|

لا يمكنك مع المشهد الختامي لفيلم “الحبل السري”، وحبات البرتقال التي علقتها المرأة على حبل ممتد بينها وبين جارتها لايصالها اليها، متجنبة العبور في الشارع بحكم رصاص قناص متربص، إلا أن تسترجع كلمات الشاعر نزار قباني “كل ليمونة ستنجب طفلا .. ومحال ان ينتهي الليمون”، سيما وان هذا البرتقال هدية الأم لجارتها بعدما رزقت بطفلتها رغم الحرب والانقطاع عن كل مظاهر الحياة، فيما تفصلها وزوجها رصاصات القناص عن أهل حارتهم.

عشرون دقيقة تنقلت خلالها عدسة الليث حجو ضمن إطار مكاني ضيق محدود ببيت وحارة واحدة، إلا أنه استطاع أن يحول ذلك المكان لفضاء واسع ليبدو بمثابة صورة مصغرة عن وطن يحكي معاناة شعب حرم في الحرب من أبسط سبل العيش المتجلية برغيف الخبز ورمق الماء، مرورا بسبل التدفئة، وحالة التأقلم التي خلقها الناس من لا شيء، إلا أنه بقي متلمسا دربا للحياة عبر حبل سري تتحق معه ولادة جديدة، بما يشكل انتفاضة على الحرب.

ربما تبدو الحكاية بصورتها العامة مكررة في سينما ودراما الأزمة السورية، فلم تغب فكرة المخاض بين أنقاض الحرب عن ذهن صناع تلك الدراما، ولكن طريقة طرح تلك المقولة ومعالجتها في “الحبل السري” عكست ذكاءا عاليا من ناسجها الشاب رامي كوسا. فقد تميز الفيلم بتكثيف عال مع طرحه بذات الوقت لتفاصيل دقيقة قد تحتاج من آخرين لمساحة أكبر بكثير مما فرد لها في الفيلم. ولا يمكن تغييب حالة التشويق التي أمسكت كاميرا الليث حجو بزمامها منذ اللقطة الأولى، مع الأداء العالي للزوجة ندى (نانسي خوري)، والزوج وليد (يزن خليل) بكل ما عكسته الشخصيتان من تناقض قد يعكس الفرق بين صورتي الرجل والمرأة، والذي ظهر جليا في آخر مشهد، حيث قابل الزوج رصاص القناص بكلمات “نابية” تحمل التحدي وروح “النصر” الذي حققه بولادة طفلته وسلامة زوجته بعد مخاض كاد يودي بحياتها، بينما كانت حبات البرتقال المرسلة للجارة احتفاء بالامومة هي “لغة” الزوجة التي اعتمدتها امام ناظري القناص.

الحدوتة التي لعب صناعها بحرفية على أوتار الإنسانية والعاطفة، كانت بمثابة المضحك المبكي، عاكسة حالة يعرفها جيدا من عاش لحظات الحرب.

الفيلم الذي انتجه “الاتحاد الأوروبي” بالتعاون مع “شركة سامة للانتاج الفني” وجاء نصه نتاجا لورشة عن تمكين المرأة بعد مشاركة الكاتب الشاب رامي كوسا فيها، عرض أخيرا في أوبرا دمشق بتنظيم من الغرفة الفتية الدولية وبالتعاون مع وزارة الثقافة ودار الأسد للثقافة والفنون ، لتسليط الضوء على قضية إنسانية ودعما للفنانين الشباب، حيث كرمت الغرفة صناع العمل مقدمة الدروع لهم تقديرا لجهدهم في الفيلم. ويشارك فيه ضحى الدبس وجمال العلي وغيرهما.

وعقب العرض، عقدت جلسة حوارية بين الجمهور وصناعه، حيث أعرب مخرجه الليث حجو عن سعادته لعرض الفيلم في دمشق، وكذلك لمشاركته في مهرجانات عدة ليكون حاملا لوجهة نظر إنسانية للمشاهد خارج البلد. ونوه بالدقة العالية التي اعتمدها في تصوير لحظات المخاض والولادة استنادا لمعلومات طبية دقيقة، معرجا على الأداء المتقن للفنانة نانسي خوري في مشهد المخاض .

وحول التجربة السينمائية الأولى لحجو، يرى صاحب “ضيعة ضايعة” أن الخوض في السينما مسؤولية كبيرة، وهذا الفيلم يعتبر بمثابة تجربة له في هذا العالم، تلمّس عبره فكرة السينما واستفاد من خبرة الجميع حوله.

وبعد مطالبة الحضور لحجو بضرورة خوضه في السينما مجددا، لفت إلى أن عالم السينما مغرِ وصعب في الوقت ذاته، متمنيا أن يتوفر له النص والظرف المناسبين لتكرار التجربة مجددا.

الحبل السري

بدوره الكاتب رامي كوسا وردا على سؤال حول اختياره لهذا الموضوع بالذات، أوضح بأن النص جاء نتاجا لورشة عمل حول تمكين المرأة، فكانت فكرة المخاض أول فكرة تراوده في هذا المجال، كما أنه ابن هذه الحرب لذا لا يستطيع النأي بنفسه عنها.
وأعرب كوسا عن سعادته بالتعاون مع المخرج الليث حجو، الأمر الذي حمله مسؤولية كبيرة لما يشكله الاخير من قيمة فنية عالية.

وحول أداء دور الأم ولحظات المخاض، أكدت خوري ل”شاشات” أن الدور حمل صعوبة كبيرة في تجسيد تلك اللحظات، وأنها استفادت من المشاهد الحياتية التي مرت بذاكرتها من الأمهات حولها، وأن المرأة السورية في الحرب مرت بصعوبات كبيرة، والفيلم جسد نموذجا عن تلك الصعوبات وهو المخاض.

وحول مشهد ارضاع الطفلة عقب الولادة بما يحمله من جرأة وإنسانية في آن، كشفت خوري بأن اماً حقيقية هي التي صورت هذه اللقطة بدلا منها، وذلك لصعوبة إرضاع طفل من غير أمه.
وخلال الحوار أيضا عقب حجو على مشهد الارضاع بأنه من أكثر اللحظات إنسانية في الحياة، وأن وجوده في الفيلم كان ضرورة ولم يكن مشهدا مجانيا أبدا.

“الحبل السري” حقق حضوراً جيداً في مهرجانات عدّة، بدءاً من مهرجان الجونة السينمائي الدولي (مصر)، مروراً بمهرجان Le Festival du Court-Métrage d’Auch ، وحاز فيه على جائزة أفضل سيناريو. كما شارك في مهرجان سان دييغو للفيلم العربي مؤخراً، وفي مهرجان كرامة بيروت لأفلام حقوق الإنسان. وتمت برمجته كفيلم افتتاح لمهرجان بعلبك السينمائي (لبنان). كما انه سيعرض ضمن فعاليات مهرجان Elia (فلسطين)، وفي مهرجان مالمو للفيلم العربي (السويد).

أما عن إمكانية طرحه عبر الانترنت، فنوه حجو بأن “مشاركات الفيلم في المهرجانات مستمرة، لذا لا يمكن طرحه عبر الانترنت قبل مضي سنتين”.

في هذا المقال

شاركنا النقاش