فاتن قبيسي|
كان لافتا حضور الفنان احمد الزين في رمضان هذا العام. ذاك الرجل الذي يشكل صلة وصل بين الماضي والحاضر، بين نضوج الخبرة وحماسة الشباب. لقد اطل في دورين متناقضين، الاول ضيف شرف في “الهيبة – العودة” (اخراج سامر برقاوي) عبر قناتي “MTV” و “MBC”، والثاني بطل في “بوح السنابل” (اخراج محمد وقاف) عبر “المنار”.
في الاول تشاهد “سليمان السعيد”، زعيم عشيرة تتجاوز القانون، مهرب مخدرات وسلاح، يكن عداوة لآل سلطان شيخ الجبل. اطل في حلقات اربع فقط، شكلت عامود الحدث المفصلي في المسلسل كله. اجاد في تقديم الشخصية على نحو يذكرك بابداع الجيل الذهبي. اما في الثاني فتشاهد الرجل المقاوم الوطني حتى العظم، أب وجد لحفيدين في مسيرة مليئة بالاشواك. رجل يختزن مشاعر وطاقات يحسن تظهيرها باحساس عال ومؤثر.
فنان دؤوب، ومجتهد هو “ابو حسن”. لا يتعامل مع الدور كوظيفة امتهنها. بعد 48 عاما في التلفزيون والسينما والاذاعة، ما زال يحمل ذاك العشق لعمله. جذوة لا تنطفىء. ومن يتابعه في الكواليس، يعرف انه لا يحمل سيناريو او ورقة في يده. يتمرن على الشخصية في منزله كمن يعيش رهبة الدور الاول، ويحفظ الحوارات عن ظهر قلب قبل المغادرة، ليستسلم امام الكاميرا لاحساسه فقط. يقدم الشخصية من لحم ودم. ويقوده تماهيه بالشخصية غالبا، الى حدود الارتجال من خارج النص.
خاض الرومانسية وكذلك افلام الاكشن. ما زالت مشاهده في الفيلم السينمائي “الممر الاخير” في طفولتنا عالقة في ذاكرتنا. وكذلك في مسلسلات “حول غرفتي”، و”بنت البواب” و”الدنيا هيك”.. ابكانا واضحكنا.. انه من القلة الذي يجيدون التراجيديا والكوميديا على نحو متكافىء. لا غلبة لملَكة على اخرى.
بالامس شاهدناه يبيع العصير على عربة. لا يجد حرجا في محاكاة الشارع، ومخاطبة الناس بلغتها. هكذا ظهر في التقرير، الذي عرضه برنامج “حلو الكلام” عبر “المنار” في امسية العيد. .. انه سر “ابن البلد” ولغزه، العابر للطبقات الاجتماعية. يجد فيه المواطن العادي متنفسا، من دون ان يفقد مكانه ومكانته لدى “النخبة”.
في الحلقة التي خصصت للاضاءة على مسلسل “بوح السنابل” الذي عرضته “المنار”، بدا “ابن البلد” كالسهل الممتنع، يجمع بين الموقف والظرف، على قاعدة “لكل مقام مقال”. يعبر بصدق، لسانه يكيل المدائح عن كل من عرفهم.. يزرع البسمة بخفة ظل. يمزج بين القاموس الشعبي والعمق. لا يساوم على مبادئه: “انا لا يمكن ان اخون ذاكرة المشاهد” يقول، ويضيف: “لا يمكن ان اؤدي دور ضابط اسرائيلي”. ربما يكون هذا الكلام موضع تساؤل، سيما وان الممثل يجب ان يؤدي كل الادوار، ولكن يُحسب له هنا أنه غلّب عن سابق تصور وتصميم قناعته الشخصية على نزعة التمثيل ومتطلباتها.
واحمد الزين لا يبخل بخبرته على الجيل الصاعد من الممثلين. فقد تعاطى بطريقة ابوية مع الممثلين الشابين الذين لعبا دوري الحفيدين في “بوح السنابل”، وهما حسين فنيش وربيع الحاج. وقد شكراه في الحلقة على احتضانه لهما خلال تصوير المسلسل.
الفنان احمد الزين، رغم مسيرة الاضواء، ما زال ينبض بطيبة أهالي القرى وبساطتهم. ينشر الالفة والود بين معارفه، ويزرع “حلو الكلام” في مجالسه، ويتألق دائما وابدا بحضوره على الشاشة. انه يستحق التكريم .. فعلا.
شاركنا النقاش