فاتن قبيسي|
اجتمع اليوم بعض أهل الاعلام والغناء والتمثيل والموسيقى والادب والإنتاج في السراي الحكومي، في ظل هم مشترك، وهو “حماية الإبداع الاعلامي من القرصنة”. وذلك في سياق مؤتمر، شارك فيه بعض هؤلاء عبر اطلاق صرخة ضد القرصنة، التي يتعرض لها الإبداع الفني والفكري والإعلامي والسينمائي والتلفزيوني في لبنان، فيما كان البعض الآخر شاهدا على وعود اعطيت بشكل توصيات ختامية، لحماية انتاجاتهم الفنية والفكرية.
يأتي ذلك الذي يتبنى شعار “معا ضد القرصنة”، تحت المظلة الحكومية، المتمثلة براعي المؤتمر رئيس الحكومة سعد الحريري، والجهة المنظمة له، اي وزارة الاعلام، بالتعاون مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومؤسسات اعلامية.
انها المظلة الرسمية، التي حرصت شبكة “osn” احدى الجهات المنظمةعلى التنسيق معها (في سياق خطتها لمكافحة القرصنة في منطقة الشرق الأوسط) بغية وضع التوصيات الختامية للمؤتمر موضع التنفيذ، وعدم طيها في الادراج، كما درجت العادة في اغلب المؤتمرات المنعقدة في لبنان.
وفي كل الاحوال، فان لبنان معني بحماية الحقوق الفكرية. فالقرصنة تتسبب بخسارة كبيرة للاقتصاد اللبناني. فهو “يحتل المرتبة الثانية في القرصنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعدل الأفلام والموسيقى والبرامج المقرصنة التي تباع فيه يتجاوز الخمسين في المئة”، كما قال وزير الاعلام ملحم رياشي في كلمته، وهذا كفيل بدق ناقوس الخطر!
ويصبح الخطر مضاعفا عندما ينبهنا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في كلمته الى ان “الإرهابيين أصبحوا متفوقين في استعمال التكنولوجيا ويستخدمونها في مخططاتهم وأعمالهم الإرهابية. وهم يعتمدون في معظمها على القرصنة الإلكترونية سواء للاستيلاء على الأموال بصورة غير مشروعة، أو للدخول الى المواقع الإلكترونية العامة والخاصة، والعبث بها أو تحويرها لاستخدامها في أعمالهم المشبوهة”.
من هنا، دعا الرئيس الحريري الى زيادة التعاون بين الاجهزة المعنية، والتشدد بتطبيق القوانين القائمة من قبل الأجهزة الأمنية ووزارات الإعلام والعدل والاقتصاد والاتصالات، وسد الفراغات القانونية والتشريعية، الى جانب اقتراحات اخرى اعتمدت من ضمن التوصيات الختامية.
صرخة القطاعات المعنية
غير ان الجلسة الاولى كانت اكثر تعبيرا عن واقع القرصنة في لبنان. وقد ادارها الزميل ريكاردو كرم، فالمتحدثون فيها هم اصحاب خبرات في المجالات الاعلامية والاعلانية والفنية. وهم: رئيس مجلس ادراة “ال بي سي اي” بيار الضاهر، الكاتب والمنتج مروان نجار، المنتج والمؤلف الموسيقي اسامة الرحباني، داني ريشا ممثلاً قطاع الاعلان، وماريو حداد ممثلاً قطاع السينما.
من هنا، حرص بعض اهل هذه القطاعات على الحضور، ومنهم الفنان غسان صليبا، الفنانة تقلا شمعون، المخرج سعيد الماروق، المنتجة مي ابي رعد، الملحن سمير صفير، الكاتب نزار فرنسيس، الفنان بيتر سمعان، والفنان انطوني توما، الفنان سليم عساف…
في كلمته، قال بيار الضاهر: “اننا في لبنان لا ننمي الابداع، بل بالعكس نخنقه. منذ خمسين عاما نُسرق، ولا احد يتحرك. اذا كنت تريد ابداعا في العالم العربي، فهو هنا في لبنان. اننا نصدّر ألبسة، وفاشن، ومجوهرات، ومأكولات.. وعندما نصل الى القطاع الاعلامي، نجد ان الامور فالتة!”
واعرب عن اسفه بأنه في ظل التطور الحاصل في الخارج، فاننا ما زلنا في العام 2017 مختلفين حول تعيين رئيس مجلس ادارة لتلفزيون لبنان”! ورغم ذلك كله، فان الضاهر “يتطلع نحو مستقبل واعد للاعلام والابداع في لبنان”.
وردا على سؤال حول اولويات التلفزيون اليوم، الابداع ام “الرايتينغ” ام مجرد الصمود، كشف الضاهر عن طموح كبير بقوله: “هناك 400 مليون ناطق باللغة العربية في العالم، أحلم بأن أصل الى هؤلاء. وبامكاني ذلك. ولكن المسؤولين لا يفهمون علينا، فنصف النواب ما زالوا يستخدمون الخلوي القديم “نوكيا”، بديلا عن ال”سمارت فون”.
وطالب بيار الضاهر السياسيين بعدم تغطية “الحراميي”، مؤكدا وجوب رفع الغطاء لتسريع المحاسبة.
واكد اسامة الرحباني بأن لا حقوق للمؤلفين والملحنين في لبنان. واستشهد بموقف تعرّض له موسيقي في الخارج، حيث دخل مطعما، وسمع مقطوعته الموسيقية فيه، وعندما طلب منه النادل دفع الفاتورة، رفض بحجة ان المطعم يسرق موسيقاه. وقد وقفت الشرطة الى جانبه، باعتباره صاحب حق. ولفت الى “عدم احترام الملكية الفكرية في الدول العربية.
وردا على سؤال قال: “ان ارث الرحابنة هو لأولادهم”، لافتا الى انه “بواسطة القوانين اضطررنا ان نكون متسلطين لحماية ارث الرحابنة”، وأسف للاستهتار الموجود من قبل المؤسسات الاعلامية والاعلاميين وشركات الانتاج في تعاطيهم مع هذا الارث”.
ورأى مروان نجار ان “هناك خلطا بالمصطلحات”، مميزا بين الاقتباس والانتحال. وقال: “موضوع الحقوق في لبنان غامض، باعتبار ان المبدع يتقاضى اجره مرة واحدة، في حين ان الموزع او الوكيل يستمر في تقاضي البدل. حتى العقد الموقع مع المنتج لا ينسجم مع الاعراف والقوانين الدولية”.
ودعا نجار الى تفعيل دور وزارة الثقافة، والى ضرورة ذكر اسم المؤلف والملحن، بحيث لا يكون المطرب وحده في الواجهة.
واعتبر ماريو حداد ان السينما هي اول قطاع طالته القرصنة، مع “اختراع” الفيديو، منذ الحرب الاهلية في لبنان. حتى الافلام الممنوع عرضها من قبل الرقابة يصادرها القراصنة. مشيرا الى “وجود محلات في بيروت لا تبيع الا اشرطة مقرصنة”.
وذكر ان “حوالى 30 مليون مشاهد سنويا كانوا يحضرون الافلام السينمائية في لبنان في مرحلة العام 1969 في حين هبطت النسبة الى حوالى 4 او 5 ملايين حاليا”.
التوصيات
وعقدت جلسة ثانية بعنوان “المنظور القانوني والقضائي للقرصنة ومدى تطبيق القوانين ذات العلاقة في لبنان”، ادارها المحامي وليد نصر. وتحدث فيها القاضية الرئيسة اماني سلامة، والقاضي نسيب ايليا، ورئيس مصلحة الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد بالتكليف وسام العميل، والمحامي جان عقل، ومدير مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الامن الداخلي الرائد البير خوري.
ثم ادارت رئيسة الشؤون القانونية في الشركة صوفي مولوني في ” osn” حلقة نقاش. صدرت على اثرها توصيات اعلنها عريف المؤتمر الزميل ماجد ابو هدير، وتضمنت التالي:
من حيث التشريع: تحديث قوانين حقوق الملكية الفكرية، واصدار قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، والمصادقة على احدث المعاهدات الدولية وتعديلها.
من حيث التنفيذ: تخصيص نيابات عامة ومحاكم مختصة في مجال حقوق الملكية الفكرية، والتشدد في تطبيق القوانين والعقوبات، والاجازة للضابطة العدلية باتخاذ الاجراءات لضبط الاعتداء على حقوق المؤلف.
من حيث التكنولوجيا: رقمنة الاجراءات والتسجيلات المتعلقة بالملكية الفكرية، وتطوير البنية التحتية والاستثمار في التقنيات الجديدة.
من حيث التوعية والتعليم: للشباب من خلال المناهج الدراسية والحملات المدرسية. وللهيئات الحكومية والقضائية من خلال التدريب. وللجمهور من خلال حملات التوعية وتوفير البديل الشرعي.
واخيرا، هل ستدخل هذه التوصيات حيز التنفيذ؟ يقول الوزير رياشي في كلمته “اننا سنبني على توصيات المؤتمر ونحولها الى حالة تنفيذية. وانا اؤمن بأنه لا يوجد مستحيل”. ولكن هذا الاصرار يقابله تشكيك، كمثل ما ادلى به الكاتب مروان نجار على سبيل المثال، متوقعا ان يكون مصير التوصيات كمصير قانون منع التدخين في الاماكن العامة في لبنان! فأي من الرجلين ستصدق توقعاته؟
شاركنا النقاش