دمشق: آمنة ملحم|
بعيدا عن عالم الجمال والموضة الذي ألفه المشاهد مع ما سمى ب “الدراما العربية المشتركة”، يأتي مسلسل “هوا أصفر”، تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، واخراج أحمد ابراهيم أحمد، وانتاج شركة “cut”، خارجا عن المألوف، ليستحق بالفعل صفة “دراما مشتركة”.
يتوغل العمل في المجتمعين السوري واللبناني بخطين متوازيين، محافظا على خصوصية كل مجتمع، دون افتعال للأحداث أو اقحام الأبطال كدخلاء على اي من المجتمعين.
تسير الأحداث بحبكة درامية متينة، وبوتيرة تصاعدية كاشفة عيوب تخص كل من المجتمعين على حدة، ليتلاقى الأبطال تحت غطاء ما يمكن وصفه بالغاية تبرر الوسيلة لجمع المال وبلوغ الجاه .. السعي نحو المال يقودنا لمجتمع مافيوي لا حدود أمامه، فالجريمة ترتكب من الخواجا “كريم” (يوسف الخال) محبوكة على “البنس”، حيث لا أثر يتركه خلفه، بل المال سلاح يضاف الى السلاح الذي يورطه بالمزيد من الدم. وهو تاجر الحشيش الغارق “بجنون العظمة” لأقصى حد، ولا يمكن لأحد الوقوف بوجهه.
وعلى الضفة الأخرى، نجد عصابة “ابو الليل” في سوريا المتورطة بالتنقيب عن الاثار والتجارة بها، مدفوعة نحو الصعود من القاع مهما كانت الأثمان، لتتورط أيضا في الدماء، مع فارق في الطبقة المجتمعية بين الشخوص في المجتمعين اللبناني والسوري.
وبين المجتمعين، تطل “شغف” (سلاف فواخرجي) السورية المتزوجة من لبناني (فادي ابراهيم)، كحد فاصل ما بين مافيات من كلا الطرفين، ولكن كل بصيغته المجتمعية الخاصة. فهي زوجة ابن عم “كريم ” الذي يحاول كسب قلبها بأي وسيلة، وحبيبة “سوار” (وائل شرف) أخ “أمير” (يامن الحجلي) المتورط مع عصابة ” أبو الليل” (تيسير ادريس)، لنجده مع تصاعد الأحداث يقتله، وربما هي مقدمة لنجده لاحقا مسيطرا مع تطور الأحداث في ضفته.
تسير شخصيات كل من المجتمعين في العمل مندفعة بآثار الحروب التي ألمت بالمنطقة، فحرمت “كريم” من والديه في الصغر لتتركه يصارع الحياة وحيدا، وشوهت حياة “أمير” بكل ما يحيط به من أشخاص ومبادئ وأخلاقيات.
وما بين “كريم” و”أمير” يسير مجتمعان مختلفان مرة ومتشابهان مرات، في أداء متصاعد محكم من الخال والحجلي الذي يقدم دورا محوريا يحقق له نقلة، اذ يعيش الشاب الشخصية بطريقة منطقية، فيتلمس معها “مشية” خاصة ونبرة صوت مختلفة وأداء طازج، ويشكل ثنائية مع صديق عمره “شفيق” (يزن خليل) والمتورط معه بكل أفعاله، ليقفا معا في مواجهة “أبو الليل” الذي جسد شخصيته تيسير ادريس بإحكام جعله محط أنظار. فهو الخال الذي لم يمر حضوره عابرا، بل جاء لافتاً متوهجاً محركا للأحداث، مؤثراً وفعالاً.
ويحسب للعمل إثارته لقضية تعاطي المخدرات عبر شخصية “نانسي” (جوي خوري)، التي وجدت نفسها متورطة بالتعاطي بحكم سيطرة أخيها “كريم” على كل تفاصيل حياتها.
كما يسلط العمل الضوء على قضايا جوهرية، منها الصحافي المأجور (رامز الاسود) الذي يسير الاحداث لصالحه بسطوة قلمه المدار من شخصيات يتنفع منها.
ولم يغفل العمل القضايا النسائية، بل أثارها على اكثر من محور، فنجد شخصية “شغف” المرأة الصلبة القوية والضعيفة معا، فهي التي تضعها الحياة على مفترق طرق، فتؤدي واجبها لأقصى حد تجاه زوجها بعد دخوله الكوما وتسترجع حقوقه من فم السبع “كريم”. ولكنها تجد نفسها عالقة بحب “سوار” لتكون الشخصية الإشكالية في العمل. ولا بد من مجاراتها والتعاطف معها على الرغم من أن ذلك ربما استساغة لموطئ خيانة زوجية هنا. ولكن اعترافها لزوجها بعد خروجه من “الكوما” بتورطها بحب غيره، قد يزيد من درجة التعاطف معها وشد الحبل لطرفها، لا سيما مع أداء ذكي من قبل فواخرجي ومحكم التصاعد مع الحبكة الدرامية.
وكذلك المرأة قضايا حاضرة عبر شخصيتي “مها” (حلا رجب) التي تزوجها “أمير”، ومن ثم بحكم شخصيته المهزوزة يتسبب بحرمانها من جنينها ومن نعمة الانجاب لاحقا، وشخصية “سلوى” (ندين تحسين بك) الساعية نحو الزواج لإنجاب طفل قبل أن يفوتها القطار.
قضايا جوهرية عدة تناولها العمل بإحكام وبحوارات مقنعة ومونولوجات فعالة، بعيدا عن الحشو والإطالة، بل ان الحدث حاضر في كل حلقاته إلى الآن. بانتظار ما تخبئه الحلقات القادمة من حلول منطقية لفكها، ويرافقه نمط إخراجي مدروس ولقطات بانورامية لافتة متوزعة ما بين دمشق وبيروت، مع موسيقى مسايرة للحدث .
عدا عن طرحه عبر مشروع “شغف 2025” لسوار المهندس المعماري والذي يتناول محاولته للوصول لوجه جديد للشام، تتخلص معه مدينة الياسمين من العشوائيات التي تزنرها بمختلف الاتجاهات، ومحاولة إسقاطه من البعض مستغلين عالم الصحافة.
ويؤخذ على العمل تعدد خطوطه وكثافتها، الأمر الذي قد يشتت الحكايا في لحظات. ولكن طريقة المعالجة تعيدها لمكانها غالبا. هي دراما مشغولة بإتقان، وعمل اجتماعي رومانسي مافيوي مشترك، متنوع المسارات وموضوع على السكة الصحيحة .
يعرض “هوا اصفر” على قنوات “الجديد”، “سما”، “الفضائية السورية”، و”سوريا دراما”.
شاركنا النقاش