ماهر منصور|
خلال أقل من شهرين، عقدت أكثر من جلسة جمعت صناع الدراما السورية والقائمين عليها، تحت عنوان عريض هو البحث عن حلول تنتشل دراماهم من أزمتها التسويقية.
وقد أطربنا الكثير من المشاركين برؤيتهم لحالها اليوم وتشخصيهم لحالة الفتور التسويقي التي تعاني منها. وبمقدار ما بدا كثير من الكلام المطروح في تلك الجلسات عميقاً وصحيحاً، بمقدار ما شكل تكراراً لما لبثنا نكرره منذ مطلع الألفية الثالثة عن مشكلات الدراما السورية. وقد ظل أسير التنظير الكلامي، فما اصلح حالها، ولا استطاع إيقاف نزيفها أو منعها من الهبوط الدراماتيكي، الذي بلغ محطته الأسوأ في الموسم الدرامي الرمضاني 2017.
والمثير أن هذا الكلام ساهم من حيث لا يدري أصحابه في تمييع الحلول المأمولة لمشكلة الدراما السورية الملحة اليوم، وفي مقدمتها حل “إفتتاح قنوات تلفزيونية خاصة”، رغم أن الجميع يتفق على أن تجاوز مشكلة التسويق يبدأ من إنشاء فضائيات سورية خاصة، وهو اقتراح طرح من قبل وزير الإعلام السوري في الجلسة التشاورية التي أٌقامتها “المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي” في سوريا، الأمر الذي كان يملي على الجميع أن تكون هذه الأخيرة عنواناً وحيداً مطروحاً للنقاش في كل الجلسات التي عقدت، إذ لا يمكن لأحد أن يمتلك زمام مواصفات منتج بعينه ما لم يتحكم بأسواق تصريفه.
ولعل غياب حديث جدي عن إنشاء فضائيات سورية لعرض الدراما، فوّت على المتحدثين الالتفات إلى الدور الذي يمكن لقناة “سورية دراما” الحكومية أن تفعله، وفي مقدمة هؤلاء وزير الإعلام السوري، الذي بالغ خلال ندوة “عين الفنون” في طرح حلول لإنقاذ الدراما السورية من تدهورها الإنتاجي، ونسي أن الحل يبدأ من مكاتب قناة “سورية دراما” الستة التي تقبع في الطابق الأول، ليس بعيداً عن مكتبه في مبنى التلفزيون السوري في ساحة الامويين، وأن مفاتيح الحل السحرية بين يديه ومن صلاحيته كوزير. بل وأكثر من ذلك هو يستطيع خلال فترة وجيزة أن يبدأ مرحلة العلاج، ما دامت البنية التحتية للقناة قائمة، ولا ينقصها كوادر ولا أموال (نسبياً)، وكل ما تحتاجه هو القوانين الناظمة، وكيف يكون ذلك، وما هي تلك القوانين التي من شأنها أن تقدم حلاً إسعافياً لمشكلات تسويق الدراما السورية، وربما للعديد من المشكلات الأخرى أيضاً..؟
باختصار تستطيع قناة “سورية دراما” عرض مسلسل أو مسلسلين جديدين شهرياً على شاشتها، بمعنى أنها بحاجة نظرياً لشراء العروض الأولى وربما الحصرية لأكثر من أثني عشرة عملاً تلفزيونياً خلال عام، على أن تتوافر في هذه المسلسلات شرط الجودة التنافسي، فنياً وفكرياً، بما يفرض قناة “سوريا دراما” كمنصة رئيسية وربما حصرية في قوائم المشاهدة اليومية لمحبي الدراما السورية، وما أكثرهم في الوطن العربي، وبالتالي يحولها إلى مقصد إعلاني لا بد أن تعود فائدته على المحتوى الذي تقدمه.
الصورة على هذا النحو تبدو اليوم مستحيلة، إذا ما قيس الأمر بالمبالغ التي يدفعها التلفزيون السوري ثمناً للأعمال الدرامية، وبطريقته في شراء المسلسلات من دون ضوابط صارمة في جودتها ورسالتها الفكرية، فضلاً عن تلك التي تمرر “بتبويس الشوارب”، أو تهبط قررات عرضها من السماء من حيث لا أحد يدري. فعلى ماذا نعوّل حين نتكلم عن حل إسعافي لمشكلة الدراما السورية تنهض به قناة “سورية دراما..؟!
ببساطة تحتاج قناة “سورية دراما” أن تكون بحد ذاتها مؤسسة مستقلة لها قانونها الاقتصادي الخاص، وتكون بطابع ربحي لا خيري. الأمر الذي لا يبدو أن القائمين على التلفزيون قد أدرجوه ضمن القوانين الناظمة لعمل القناة، ويجب عليهم المباشرة بذلك إن كانوا جديين بحل مشكلة الدراما.
مع استقلالية المؤسسة وامتلاك قرارها الاقتصادي، وبدء القائمين عليها بالعمل بعقلية ربحية، ولكن انطلاقاً من قاعدة وطنية تتوخى الحرص على مستوى الدراما السورية، فكرياً وفنياً، سيمكننا الحديث عن دور لقناة “سورية- دراما” في إيجاد مناخ ملائم لقطاع إنتاجي تديره المؤسسات الوطنية، من دون أن تخضع لإملاءات الآخرين وابتزازهم. فقناة “سوريا دراما” بتوجهها الربحي، ستبحث عن المسلسل الأفضل الذي يستقطب رعاية وتمويل ترفع بموجبه سعر الحلقة التي تشتريها، وبدورهم سيجتهد صناع الدراما لإنجاز الأفضل فنياً وفكرياً، ليفوزا بعقد عرض بسعر تشجيعي، من دون ركن مسلسلاتهم عاماً كاملاً بانتظار عرضه في شهر رمضان. أما المسلسلات الرديئة، فلن تجد حضناً يضمها كما يحدث الآن، وسيضطر منتجوها للتنحي أو الاجتهاد للمنافسة.
وفق هذه العقلية التي نقترح ان تتبعها “سورية دراما”، ستدخل أي قناة سورية وليدة الساحة من موقع المنافس، في شروط العرض وسعر الحلقة، وهو ما سيصب في رصيد الدراما السورية وصناعها، ومستواها الفني والفكري.
لا يحتاج الأمر سوى الى تحرك جاد لوزير الإعلام، يبدأ بقرار استقلالية قناة “سورية دراما” ووضع قوانين صارمة لعملها، لا تعترف إلا بالعمل الأفضل، تاركة مهمة العروض الخيرية والإجبارية للفضائية السورية وسواها من القنوات الرسمية.
شاركنا النقاش