فاتن قبيسي|
في وقت ينحو فيه المسرح في لبنان، من خلال الكثير من الاعمال، باتجاه الاستهلاك والاستسهال، ما زال المخرج مشهور مصطفى يصرّ على القيمة.
هذا ما تعكسه مسرحيته “انتظار” التي لعبها مؤخرا طلابه في “معهد الفنون الجميلة” في الجامعة اللبنانية، على خشبة مسرح “المركز الثقافي الروسي”. وهو العمل الذي يعود به المخرج المسرحي الى الجمهور بعد غياب.
ما زال مصطفى يتعامل مع المسرح كحرفة. يعطيه من وقته وقلبه. لا يقوم بعمله الاكاديمي كوظيفة، ولا يطرح مسرحية تحمل امضاءه كوسيلة تجارية.
ثمانية مقاعد وسلم، هي كل ادوات المسرحية. ديكور متواضع على خشبة حفلت بمشاهد غنية. وثمانية ممثلين، هم من خريجي قسم المسرح، اجادوا اللعب على اوتار “الانتظار”، واعطوا لهذا الموقف الانساني بعدا محسوسا ومعيوشا. وذلك بأقنعة بيضاء، وثياب سوداء، ربما ترمي الى الحداد على الوقت المهدور في الانتظار، او على المصائر المرتقبة.
الانتظار يكاد يكون جزءا يوميا من حيواتنا، نسير على ايقاعه، قد نلتفت له ونحاول قتله. وقد لا نأبه له، حتى يتحول في لاوعينا الى قدر مرسوم يهدد مصائرنا. من هنا، تأتي اهمية اختيار هذا الموضوع كعنوان للمسرحية. ماذا ننتظر؟ وكيف نعاني في سبيل ذلك؟
لكن العمل السرحي يتوغل اكثر في فكرة الانتظار: تارة يكون “فارغاً” بمعنى الا يواكب فترة الانتظار اي فعل، وطورا فاعلاً، اي ان تُكسر وطأته بفعل ما، بغض النظر عن نتائجه، كالتظاهر في الشارع طلبا لتغيير الواقع. كما ان الانتظار تارة فردي يستدرج الممثل الى عرض تجربة شخصية، وطورا جماعي يعكس تجربة جيل باكمله، في وطن مخيب للأمال!
“ناطرين التغيير” عبارة لا ينفك يرددها ابطال المسرحية، الا انها تنتهي بهم الى حائط مسدود. انه مشهد اصطدام الحافلة التي يستقلونها في رحلة باتجاه الموت. وهو مشهد اتسم بالتوفيق لجهة تجسيده. هكذا يؤدي الانتظار في بلاد كبلادنا الى الموت، او الانتحار الجماعي بالمعنى الرمزي، او في احسن الاحوال الى السلبية المطلقة وتعطل الحياة.
من هنا، يستبطن العمل دعوة الى كسر الانتظار، ومواجهة السلبية، والانتقال من موقع رد الفعل الى الفعل.. ومن المطالبة بالتغيير الى اجتراح التغيير بوسائل وادوات مختلفة.
اتكأ العمل على نص مطواع، شارك في صوغه الطلاب، تحت ادارة المخرج. حمل شيئا من افكارهم، ليأتي لاحقا أداؤهم المسرحي أكثر واقعية وانسجاما مع المواكبة الجماعية لولادة النص. والجسد هنا يشبه النص في طواعيته، فحركة اجساد الممثلين في مسرح مصطفى تشكل جزء اساسيا من لغته التعبيرية. ويبدو واضحا الجهد المبذول في تدريب الطلاب في مشاهد جلها جماعية مشغولة باتقان. وقد ساند كل ذلك عنصرا الاضاءة والمؤثرات الصوتية. اذ تم توظيفهما بشكل لافت.
وفيما تُتهم اعمال مشهور مصطفى بالغموض، وعلى رأسها مسرحية “اسود ع ابيض” التي اخرجها في الثمانينيات، الا ان “انتظار” وان كانت تكتنفها بعض السوريالية، الا انها عمل مباشر ومقروء، ولا يخلو من عمق.. وتكثيف ايضا. 45 دقيقة فقط هي مدة المسرحية. ايقاع سريع، واغناء التفاصيل بما يخدم بلاغة فكرية وبصرية، وذلك بعيدا عن الحشو والتنظير.. والاستعراض.
(شارك في المسرحية كل من: احمد نبها، محمد شعيب، حسن لحام، فرح كردي، ميرنا الجردي، سكينة العوطي، ايفا جعفر ورؤى الشانوحة).
شاركنا النقاش