فاتن قبيسي|
لا تحتاج الى اكثر من الحلقة الاولى ليغمرك الفضول بالمتابعة. “في كل اسبوع يوم جمعة” يقدم نموذجا متقدما في مجال الدراما البوليسية المصرية. جرائم متسلسلة تقوم بها “ليلى” (منة شلبي) بمساعدة “عماد” (آسر ياسين). الفاعلان معروفان منذ البداية، ولكن من دون ان يفسد ذلك لعبة الاثارة والتشويق.
القضية هنا هي الاساس. وهي هامة جدا. انها ظلم المجتمع ولعنته التي تطارد الخطاّئين. شريط جنسي مسرب للشابة “نور” (منة شلبي) يقيم الدنيا ولا يقعدها. والعلاقة شرعية نتيجة زواج سري. لكن الناس لا ترحم. والاخطر ان والديْ “نور” شعرا بالعار. ولمعاقبة ابنتهما، قبلا بموتها ودفنها زوراً لتنتقل “نور” باسم “ليلى” الى حياة اخرى. وهكذا اصبحت زوجة لـ”عماد” (آسر ياسين) المصاب بالتوحد والتأخر العقلي، بموجب صفقة.
العمل اتكأ على عنصرين اساسين في لعبة التشويق:
اولاً: حياة “نور” او ليلى” الجديدة. المرأة التي تسخّر زوجها المضطرب عقليا لارتكاب جرائمها. الاسلوب موغل في القسوة، تقطيع الاعضاء ورميها في النيل. لكن التنفيذ يتم بعقل بارد. أيام الجمعة هي مواقيت جرائمها، حيث يغيب حارس الفيلا في اجازة اسبوعية. وحاسوبها وهاتفها الخلوي هما ادواتها لاستدراج ضحايا. انها المهندسة الموهوبة في مجال التكنولوجيا، تخترق انظمة الحواسيب وهواتف الشخصيات من حولها. فتتيسّر مهامها، وتشعر بالسيطرة على كل شيء.
ثانياً: حياة “نور” السابقة. بقي هذا الجزء غامضا. ما خلق فضولا لدى المشاهد. ما الذي دفع بهذه الشابة الى العنف والانتقام؟ وهو ما بدأ يتكشف تدريجياً مع انطلاق كل حلقة، وقبل بداية الشارة، الى ان استكملت فصول القصة في الختام. إذن قصتان متوازيتان بين الماضي والحاضر. واحدة قبل الشارة والثانية بعدها. اسلوب موفّق في السرد.
المسلسل من أعمال “شاهد” الأصلية. رمت “الطُعُم” من خلال حلقة اولى مجانية. مما قد يضطر البعض الى الاشتراك بالمنصة لاستكمال المجريات. القصة للكاتب ابراهيم عبد المجيد، لكن ابنه اياد ابراهيم نقلها بتصرف. اضاف رؤيته الشخصية للاحداث والشخصيات. وشارك في السيناريو والحوار سمير عبد الناصر، ومحمد هشام عبية.
الاخراج لمحمد شاكر خضير. مخرج له بصمته الخاصة، وذاع صيته في مسلسل “غراند اوتيل”. لكن ثمة مبالغة لجهة تعتيم الصورة في بعض اللقطات، على نحو لم نعد نبيّن تفاصيلها، وان كان المقصود منها مراعاة الاجواء السودواية. كما ان تصميم مقدمة العمل متأثر بمقدمة المسلسل الالماني “DARK”.
نجح خضير في اختيار فريقه من الممثلين. منة شلبي الحصان الرابح. برعت بالدور. ثمة نظرة لها في الحلقة الاخيرة تختصر الكثير. انه المشهد الذي كشفت فيه عن نفسها كمجرمة امام “سوسن” (سوسن بدر)، دعتها لدخول الحمام لرؤية ضحيتها (الرابعة) مضرجة بدمائها، مسبوقة بنظرة تثير الرعب، نظرة تجمع بين روح اجرامية ووقاحة الكشف وتحدي المواجهة عبر الانتقال من الدفاع الى الهجوم. حمّلت “سوسن” المسؤولية على اعتبار ان ابنها هو المرتكب. وساقتها سوقا للمشاركة في نقل الجثة.
كذلك اجاد آسر ياسين. الشخصية صعبة بلا شك. تجمع بين مريض توحد ومتخلف عقليا. لغة الجسد هي الطاغية هنا. كذلك للشخصية لغتها الخاصة، كلمات قليلة تختزل ما هو اعمق. فلكل من التوحد والتخلف ادوات وروح مختلفة، وقد احاط ياسين بالشخصية الى حد يستحق الثناء. (وشارك في البطولة كل من القديرة سوسن بدر، واحمد خالد صالح، وشريف سلامة..)
“في كل اسوع يوم جمعة” مسلسل تعلق في حبائله على مدى حلقاته العشر. غير ان الحلقة الاخيرة تخطف الانفاس. فيها المزيد من التكثيف وتوالي الاحداث. وفيها ما يتخطى التوقع لجهة مصير شخصيتين في العمل. وهو يقدم مثالا على الاختصار الدرامي والاختمار الفكري، بعيدا عن المطوّلات.
لكن بمنأى عن الصناعة، تبقى البلاغة في رسالة العمل. وهذا جوهري. مقطع فيديو تسجله “نور” في اللحظات الاخيرة، يتضمن رسالة الى والدها. تشكره فيها على اختياره لها هذا النوع من “العقاب”، مما جعلها تتعلم لاحقاً الخطأ من الصواب. على حد قولها. وفي ذلك بلاغة كبيرة، مفادها ان الرضوح لنظرة المجتمع واحكامه، بل والتواطؤ معه من قبل الاهل، يظلم ابناءهم مرتين، وينقلهم من موقع الضحية الى موقع انتقامي.. ويأتي ذلك في زمن التكنولوجيا، حيث يكثر ابتزاز الفتيات ماديا ومعنويا تحت طائلة نشر محادثاتهن او صورهن..
“في كل اسبوع يوم جمعة” (إنتاج محمد حفظي وعمرو سلامة شركة MEEM وشركة فيلم فاكتوري).. مسلسل واعد في مجال الدراما البوليسية المصرية.
شاركنا النقاش