فاتن قبيسي|
رغم اننا نحن من يعاني كلبنانيين من وضع مزر، نفقد فيه تدريجيا مقومات البقاء، ونتجرد من اسلحة الصمود في ظل طبقة سياسية فاسدة، ورغم ان الوجع هو وجعنا اولا واخيرا، وان لبنان هو لبناننا، الا ان الاعلامي عمرو اديب جاء ليضع الاصبع على الجرح. نكأه، وضعنا وجها لوجه امام الواقع الذي نتقوّى عليه بالصبر، نزع ورقة التوت الاخيرة التي نتخفّى بها من مواجهة حقيقة الانهيار الشامل.
وجه اديب صرخة مؤثرة الى العالم العربي بقوله: “ان لبنان لا ينهار.. بل انه انهار”. واردف: “ما فيش بلد”. وكأننا كنا نحتاج لنسمعها بلسان أحد من خارج حدودنا لنصدق الامر.
وجّه اديب في برنامجه “الحكاية” صرخة من القلب مناشدا العرب بارسال حليب الاطفال الى لبنان. وهي العبارة التي شكلت محور كلمته الاساس ، فبدا الاعلامي المصري مفجوعا بافتقاد لبنان الى مثل هذه المادة الاساسية البديهية، والتي تعين الاطفال على الاحتفاظ برمق الحياة.
وضع العرب امام مسؤولياتهم الانسانية: “انسوا مشاكلكم مع الطوائف اللبنانية… الناس تحتاج الى حليب اطفال في لبنان (..) فلتذهب الطوائف اللبنانية الى الجحيم ، ولكن هناك مواطن لبناني، وهناك طفل لبناني”.
واديب الذي سبق له ان زار لبنان مرارا وتكرارا وتنعّم بأجوائه وكرم الضيافة، كان تناول اوضاع البلد في حلقة سابقة من برنامجه على قناة “mbcمصر” مستهجنا الغلاء الفاحش في لبنان والتضارب بين المستهلكين من اجل الظفر بالمواد الاستهلاكية. لكنه عاد هذه المرة بنبض اقوى، وبقلب محترق على البلد الذي احب. وهو الذي ادمعتنا كلماته وهو يتساءل كمن يرفض التصديق:
“معقولة سويسرا- الشرق مفيهاش لبن أطفال؟! وقال: “يعني إيه طفل يموت عشان مفيش لبن في القرن الـ21؟ اين جامعة الدول العربية، الناس التي تقبض رواتب بالدولارات. اين قسم الاغاثة فيها؟
واثار اديب مشكلة وصول سعر الدولار الى 15 الف ليرة، والى فقدان البنزين والادوية.. متسائلا: “في عالم بيقفل الصيدليات يومين لانو ما فيش ادوية؟” ويضيف: “يا جماعة بيروت بقت عتمة.. “.
ولكنه مع ذلك لم يرفع سقف المطالب، بقي عند حدود غذاء الاطفال فقط املا في تلبية ندائه “المتواضع والمتدني” كما وصفه.
وقال: انا لا اطالب بارسال الاموال.. افصلوا بين السياسة والبشر.. ايّن كان خلافك مع حزب الله، مع نصرالله، مع الحريري، مع جبران باسيل… هناك طفل عربي يموت ويحتاج الى حليب.. عايزين جامعة الدول العربية يصحوا من النوم بكرة الصبح ويفتحوا التكييف ويشوفوا هيعملوا إيه، أمال إحنا فاتحنها ليه”.
لم يوجه اديب كلمة واحدة الى السياسيين في لبنان.. محق جدا. يعرف انهم سبب الداء. وبفضلهم بات لبنان “يشحذ” المساعدة، وبات عمرو اديب يثور لأجله، ويطلق ناقوس الخطر، ويستجدي العالم لانقاذه.. كيف لا؟ وأهل البيت في نومهم ساهون!
لقد زاد كلامك من غضبنا على السياسيين الذين قضوا على لبنان المعافى المضياف المحب للحياة، وقزّموا طموحاتنا الى حدود علبة حليب.. شكرا على عاطفتك الصادقة، لكن يؤلمنا ان يصل لبنان الى حدود الاستجداء، وان يصبح شعبه منتظرا لاعاشة من العرب. وهذا ما عبّرتَ عنه بطبيعة الحال بقولك:
“لبنان سويسرا الشرق مادد ايده للعالم .. عار.. والله عار!”
شاركنا النقاش