فاتن قبيسي|
بين مقطوعات زياد الرحباني ومقاطع من أغاني فيروز، دار الحديث هادئا، انسيابيا وعميقا بين الفنان والموسيقي اللبناني الكبير والمذيعة هيام حموي، عبر اثير اذاعة “شام اف ام”.
المكان كان استديو زياد في بيروت، والاذاعة كانت بضيافته، وقد احسن زياد الاستقبال والضيافة، فأهدى الاذاعة السورية اغنيته الاخيرة “امريكا مين”، كما اهداها مقطعا من اغنية جديدة ستخرج الى الضوء قريبا، بعنوان “ليك يا حبيبي”، اضافة الى تسجيلات اخرى.
ايضا كان الحديث شغوفا.. بسوريا وأهلها. هكذا بدا زياد خلال اللقاء. كان مستمتعا بالتوجه الى الجمهور السوري، الذي يحفظ معه ذكريات مضيئة لحفلات سابقة احياها على ارضه. ولأن الجمهور مختلف، كذلك كانت الاسئلة هذه المرة، لم يكرر زياد كلامه، بل حمل اخبارا جديدة، لم يسبق له ان ذكر معظمها في مقابلاته الاخيرة المتلاحقة.
من يستمع الى المقابلة الاذاعية امس، التي ادارتها صاحبة الصوت الدافىء، يستخلص بأن العام 2019 هو عام الزخم في حياة زياد. يحمل الكثير من المشاريع والانجازات. فهو سيقيم حفلات في المانيا وبلجيكا وانكلترا في آذار المقبل، ويعد الجمهور العربي بأغان جديدة، بدءا من السيدة فيروز التي ننتظرها مع أغنيتين، وشيرين عبد الوهاب التي يحضّر لها ايضا لحنين، وكارول سماحة التي يعد لها “البوما” شبه كامل، وكذلك الأمر بالنسبة الى مايا دياب.
كما حمل زياد “مفاجأة للجمهور السوري والعربي”، بحسب تعبيره. انه “حفل دمشق 2009 ” الذي تم تصويره آنذاك سيطرح في العام الجديد، وهو من الحفلات الناجحة التي سيستمتع بها محبو الرحباني. كما سيطل عبر موقع خاص على الانترنت، هو اشبه باذاعة مفتوحة، تبث اهم الانتاجات الموسيقية العالمية.
باختصار .. “في العام 2019 رح نطلعّ فرق السنتين اللي قعدناهم بالبيت” هكذا عبّر زياد عن رغبته في استدراك الزمن الذي ضاع منه عبر “اعتكافه” المؤقت، كمن يريد التعويض، او كمن يعتذر من الزمن. وهو الرجل الذي يثمّن الوقت ويمشي على ايقاع الساعات المنتشرة في غرف منزله.
استهل اللقاء باثارة ما وصف ب “احلى الذكريات” في سوريا. فالى جانب “حفل دمشق 2009″، هناك احتفال “دمشق عاصمة ثقافية” في العام 2008. وقد راق لزياد التحدث عنه قائلا: “كان سبقه حفل لفيروز شتاءً، ولا ننسى كيف استقبلها الناس على الحدود تحت الثلج، كما ان الدولة قامت بسابقة وقتها لشدة الاقبال، وذلك من خلال الطلب الى الناس ابراز هوياتهم لدى حجزهم البطاقات، كيلا يأخذ أحد دور غيره. ثم جئنا في الصيف من العام ذاته، لم نصور وقتها الحلقة بسبب الكلفة المادية، بل قمنا بتسجيلها. وهذه الاسطوانة ما زالت مرجعية حتى اليوم لنا وللفرق الموسيقية، وهي الاكثر مبيعا بعد ألبوم “الى عاصي”.
وتحدثت حموي عن حلمين: الاول ان تعود فيروز لتغني في سوريا، والثاني ان يقدم زياد اغنية للشام. فأجاب: “سأطرح على فيروز ذلك، واعتقد اذا ارادت ان تقوم بمشروع فني، فانها ستبدأ من سوريا. كما انني أتمنى أن اقدم أغنية للشام، ولكنني اريد كلاما جيدا. خلال الحرب “طلّعوا كلام عجايب وغرايب”. وانا سأحاول بدوري. لكن الكلام عندي بطيء قياسا الى الموسيقى. اي انه “بيطلع مني” خلال فترات متباعدة”.
وفي السياسة، رأى زياد ان مشروعا واحدا هو خلف كل ما يحصل في بلادنا. وانهم ما زالوا يماطلون بالحل في سوريا، واذا اتيح لهم وضع عبوة ناسفة في احدى السيارات على سبيل المثال، لشل البلد الذي عاد ونهض مجددا، فانهم لن يقصروا.
ولفت الى انه سيسافر قريبا الى برلين، “حيث هناك عدد كبير من المعارضين السوريين، الذين سيحضرون حفلنا. وقيل لي بأن من يحجز البطاقات اليوم هم غالبا من السوريين والاكراد. لدي جمهور كبير من الاكراد، خاصة في المانيا، حيث ان زورو يوسف، وهو كردي سوري، اهم عازف بزق اليوم، وهو ووالده يقيمان الحفلات في اوروبا”.
وعن “انكفائه” لاكثر من سنتين، كشف زياد للمرة الاولى عن ظروف معينة ادت اليه. فاوضح بقوله: “شعرت ان الحياة الموسيقية “مشربكة” في لبنان. فلا يمكننا الاستعانة على سبيل المثال بموسيقيين من المعهد الوطني غالبا، فثمة أسماء ممنوعة في هذا المجال. كما تعرضنا لنكسة في مهرجانات اهدن، تتعلق بسوء تقدير المنظمين، بالاضافة الى فشل حفل كان مقررا في روسيا بسبب سوء تنظيم بعض الشيوعيين اللبنانيين. كل ذلك دفعني الى ان اسأل نفسي: ماذا ساشتغل اذا اعتزلت الموسيقى؟”
واضاف: قضيت وقتي وانا اقرأ في مجال السياسة وعلم النفس. وعندما سئل : “وماذا عن النتيجة؟” اجاب: ” لا نتيجة. كلما تقرأين تضيعين، وكلما تعرفين تتأكدين كم انك لا تعرفين الحياة”.
واين زياد اليوم من “طفل المعجزة” الذي كتب في مراهقته كتاب “صديقي الله”؟ أجاب زياد: “كنت ارى الحياة اكثر بساطة. وسامح الله والدي، كنت اكتب خواطر كـأي ولد في مثل عمري، الا انه وزعها على اصدقائه. وتسبب لي بالاحراج بينهم. اذ راحوا ينظرون الي كعبقري، وانا اكره عبادة الشخص”.
وبخفة ظل كبيرة اضاف زياد: ” بدل طفل المعجزة، يا ليتني كنت اليوم ملك جمال الاطفال، فهذا افضل!!”
وكان سبق هذا الحوار لقاء تمهيدي بعازف الايقاع هاني بدير في استديو زياد ايضا. وهو الذي رافقه في “مهرجان القاهرة للجاز” في العام 2010، وفي حفله الاخير في القاهرة في 30 تشرين الثاني الماضي. تحدث كثيرا عن زياد وعن تعاونه معه. ولكن لدى سؤاله عما يمكن ان يقول لزياد ما لم يقله له مباشرة حتى اليوم، أجاب بدير بلهجته المصرية الحارّة:
“بقلو.. أنا بحبو.. هو لازم يعرف دا”!
وهي عبارة تعكس عواطف الكثيرين من جمهور الرحباني العريض.. وتنطق بألسنتهم حتماً!
شاركنا النقاش