فاتن قبيسي|
غنياً ومكثفاً جاء برنامج حفل زياد الرحباني مساء الجمعة ضمن مهرجان “اعياد بيروت”. امتلأت مدرجات الواجهة البحرية لبيروت، واضاءها زياد بالوان الموسيقى، وفتح امام جمهوره ذاكرة البلد التي ارشفتها مقطوعاته والحانه منذ السبعينيات والثمانينيات وما تلاهما. استعاد محطات دامغة كان ارّخ لها بالكلمة واللحن معا، واحيانا بالموسيقى الطاغية وحدها. فعزف مقطوعات من اعمال تركت بصمة مثل “فسحة الامل” و”بالنسبة لبكرا شو”. واسترجع حسه اللاذع من خلال اعادة تقديم بعض أغانيه “النقدية”، مثل “شو هالايام” وغيرها…
اتكأ الحفل على فرقة موسيقية ضخمة، قوامها عازفون عرب ورومانيون وهولنديون وارمن. والتنوع كان سمة الحفل بامتياز. تخلله الشرقي والغربي. فكانت السيدة فيروز حاضرة من خلال بعض اغانيها المستعادة، تماما كما نينا سيمون الفنانة العالمية الراحلة. كما تخلله القديم والجديد، وان كان الجديد قد اقتصر على اغنية “امريكا مين”. وكما ينتظر جمهور الرحباني جديده بشوق، فانه لا يجازف البتة بقديمه ولا يستغني عنه، بل انه يطالب به بقوة في بعض الحفلات.
كان زياد قليل الكلام وكثير العزف. على غير عادته لم ينثر النكات والنهفات. كان جل تركيزه هذه المرة على الموسيقى. لم يرفع رأسه عن البيانو. وقد سبق الحفل تحضيرات مكثفة، استغرقت عشرة ايام من التمارين مع الفرقة، بمعدل عشر ساعات يوميا. وهي فترة تلت مباشرة عودته من جولته الاوروبية التي احيا خلالها عددا من الحفلات. اذاً لا فترات راحة وافية يقضيها زياد منذ الصيف الماضي.
مغنية الجاز الاميركية ليزا سيمون اشعلت المسرح. قدمت أربع أغنيات كان سبق وغنتها والدتها نينا سيمون، وهي: “My Funny Valentine”، “Work Son”، “My Baby just cares for me”، و”Feeling Good “. تواطأت مع الموسيقي هاني سبليني الذي رافقها على البيانو، فبلغ تفاعل الجمهور مداه. وسبليني الذي يرافق زياد منذ ايار العام الماضي في الكثير من حفلاته، يمتاز بنبض خاص في مجال الروك، وقد بدأت علاقته بزياد منذ العام 1987، واختاره الاخير في العام 1990 ليرافقه في احياء حفلات لفيروز في دبي وقطر. كما شاركه في عدد من مسرحياته منها “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”.
النفًس المصري كان ايضا حاضرا في الحفل، ولكن من خلال الغناء باللهجة اللبنانية. الشابة المصرية دعاء سباعي استعادت بصوتها اغنيات مثل : “بلا ولا شي”، و”بكتب اسمك”، و”البنت الشلبية”، لكن اغنية “اشتقتلك” حظيت بتفاعل اكبر من قبل الجمهور.
اما المطرب المصري حازم شاهين فترك بصمة هامة في الحفل، وهو الذي يرافق زياد في بعض نشاطاته منذ العام 2015، ويمتلك حسا خاصا وروحا مميزة في اداء الاغنية، لا سيما “تلفن عياش”، و”بما انو” و”شو هالايام” التي راح الجمهور يشاركه غناءها بحماس كبير.
وبين هذا وتلك، قدم زياد خلال الحفل مقطوعات موسيقية مختارة بعناية:
– 87 ouverture .
-المقدمة الموسيقية (الجزء الاول) من مسرحية “فسحة الامل” (أملي 1)، ثم ارفقها لاحقا بالمقدمة (الجزء الثاني) من المسرحية ذاتها (أملي 2).
-المقدمة الموسيقية الثانية لمسرحية “بالنسبة لبكرة شو” (العام 1978). .
-موسيقى أغنية “عينطورة” (الاغنية صدرت في اسطوانة “معرفتي فيك” للسيدة فيروز في العام 1987.
-موسيقى “ابو علي”.
-موسيقى “اسعد الله مساءكم” (صدرت ضمن اسطوانة “مونودوز” لسلمى مصفى في العام 2001).
-83 ouverture (صدرت ضمن اسطوانة “معرفتي فيك” للسيدة فيروز).
-المقدمة الموسيقية لمسرحية “ابطال وحرامية” بعنوان “امرك سيدنا”.
كما عزف الرحباني موسيقى اغنيتين لم يعزفهما منذ فترة طويلة مع اوركسترا على المسرح، وهما اغنية “بعدك على بالي” للسيدة فيروز، و”عالنظام”.
اما الفرقة الموسيقية التي قادها المايسترو الارمني كارن دورجاريان فقد توزع افرادها كالتالي: نصف اعضاء فريق الوتريات هم من الفرقة السمفونية اللبنانية، والباقي عازفون سوريون. كما ان اعضاء فرقة “الوود وندز” هم لبنانيون وسوريون ورومانيون. في حين طغى الفريق الهولندي على “السيكسيون ريتميك” وآلات النفخ.
“بما انو” كان عنوان الحفل الذي استغرق حوالى ساعتين (شارك في تنظيمه MUSIC saga). قدم خلاله الرحباني الموسيقى النظيفة والمشتهاة من قبل جمهور واسع، لا يزال يردد اغانيه القديمة ومقاطع من مسرحياته حتى اليوم بالشغف ذاته. فهو نتاج لا مدة صلاحية له، وكلما استعاده زياد في حفلاته، الغى المسافات بين الحاضرين، حيث تفاعل مع فنه امس الاول جمهور لبناني وعربي (متعدد اللهجات) بالنبض ذاته، فيما تمايلت اكتافهم على بعضها وكأنهم يعرفون بعضهم.. ولا داعي اساسا ليتعارفوا.. تكفي موسيقى زياد وحدها.. لتجمعهم!
(تصوير مروان طحطح).
شاركنا النقاش