“مختار” يخلق “بديعة” أخرى..
فاتن قبيسي|
“في لعنة عم بتلاحقنا ، وما رح تفارقنا الا لنوصل للقبر.. لعنة الماضي”. هذا ما قالته “سكر” (سلافة معمار) في الحلقة السابقة من مسلسل “ولاد بديعة”، للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي.
جمعت “سكر” اخواتها (ليس بالدم) مختار وشاهين وياسين، واخبرتهم أنها تنوي تسليم نفسها الى الشرطة.. علّ السجن ينظفها ولو نسبياً من افعالها المشينة، واضافت:
“وانتو كل واحد منكم يجرب يفوت عالسجن اللي جواته، بركة بتنضفو، بركة منرجع نجتمع من جديد”.
هذا المشهد معطوفاً على عملية مداهمة الشرطة لمركز “يمان” ( عدنان ابو الشامات) الخارج عن القانون، والتي انتهت بقتله، كأنهما يرسمان نهاية لمسارات اساسية في مسلسل “ولاد بديعة”. الا اننا ما زلنا في الحلقة العشرين. مما يفتح المجال للسؤال: هل سيكمل العمل على المنوال ذاته، أم أنه سيشهد انعطافة في حياة الشخصيات الغارقة في السواد؟
على امتداد ثلثي العمل، شهدنا معارك دموية بين أبطاله، الكل يريد مكاسب، والكل يسبح في دوائر الانتقام. معظم الشخصيات هنا لا ترحم، حتى “الدكتور يحي” قتل والدة صديقه “مختار” (محمود نصر) بدم بارد، وراح يساوم صديقه على إرثه من والدته.
اما “مختار” فاختار انتقاماً غير متوقع، اذ حوّل “الدكتور يحي” الى “بديعة” أخرى- المرأة المتسببة واولادها (اخوته من ابيه) بعقدة “مختار” الأبدية- وذلك بعد ان اختطفه وسلبه عقله ووعيه بالحقن والمهدئات، ليرمي به بعدها شريداً في الشارع.
الكل في العمل مظلومون وظالمون، ولكن الظلم هنا من العيار الثقيل: قتل بالجملة، وسرقة، وفضائح، وإخصاء. والعقاب الأخير كان من نصيب “مختار” على يد شقيقه “شاهين”، الذي تسبب له بالعجز الجنسي في مشهد بالغ القسوة.
لا مجال هنا للتعاطف مع اي شخصية، لأنها سرعان ما تُخرج أبشع ما فيها.. حتى التوأم “ياسين” (يامن الحجلي) و”شاهين” (سامر اسماعيل) الذين لم يعترف بهما والدهما (فادي صبيح) بالعلن، قاما، وبمجرد ان اسلم الروح، بتزوير وصيته، ففتحا قبره وسرقا من إصبعه بصمته، لزوم تغيير أوراق رسمية.. هكذا ببساطة.. ليضيع حق اخيهما “مختار” في الإرث، وليتحول بعدها الى قاتل أمهما “بديعة”. تماماً كأولادها الذين هم بدورهم مجرمون. وان جاءت عمليات القتل احيانا “مجانية”. (مثل تصفية “سكر” لزوجها ووالدته بعد ان أعادا اليها حقها المنهوب).
انها بيئة اشبه بالرمال المتحركة. أُسس لها بحكاية إنجذاب “عارف الدباغ” لـ”بديعة”، وهي حكاية تفتقد الى المنطق، فهو الرجل الوجيه، ابن الكار القدير والمتزوج من امرأة كان يحلم بها، و”بديعة” المرأة المتخلفة عقلياً والمشردة في الشوارع بثياب رثة متسخة، تأكل من مستوعب النفايات ولا تنطق (باستثناء لازمة “يا كريم”)، ليبرر عشقه لها لاحقاً “بأن زوجته تعايره بطبقته الاجتماعية”.
ولكن في المقابل، يعبر العمل على أمر لا يخلو من اهمية، ويتمثل بكيفية تطويع الدين والآيات القرآنية وفق مصالح الأشخاص وأهدافهم، فيصبح الدين على قياسهم كرداء لتبرير افعالهم.. تماماً كما فعل “مختار”.
ورغم الملاحظات الآنفة، ثمة لغز يورّطك في “ولاد بديعة” حيث يمضي بك الى متابعة المشاهدة الى “الآخر”. وينعكس بتوافر عناصر من مثل: غنى الأحداث، وإيقاعها السريع، وتخطي ما هو متوقع في مجريات القصة.. أي ان مساحة الدهشة دائما موجودة، نظرا لغنى مخيلة الكاتبين (وان كان بالمنحى السوداوي الطاغي). يضاف الى ذلك رؤية المخرجة رشا شربتجي، والكاستينغ الموفّق، فالجميع أجاد هنا من سامر اسماعيل، ويامن الحجلي بنفسه الكوميدي الخفيف، وحسين عباس، ومحمد حداقي ورامز اسود…
اما سلافة معمار فقد أبدعت في “ولاد بديعة”، مع الاشارة الى ان ملابسها منتقاة بطريقة لافتة تناسب الشخصية. فيما حلّق محمود بعيداً في شخصية الرجل المصاب بالذهان، وثمة جهد واضح بذله للمواءمة بين عوارض الشخصية الدفينة، والخارجية (الحاجب والعين ورفة اليد عن الاذن) . ورغم نجاحه في اعمال سابقة، الا ان محمود نصر ما قبل “ولاد بديعة” هو غيره ما بعد “ولاد بديعة”.
شاركنا النقاش