فاتن قبيسي|
في ختام جزئه الثالث، خرجت نهاية “للموت” عن دائرة التوقعات. قد تكون النهاية غير محبذة، أو مرفوضة، ولكنها بعيدة عن كلاسيكيات الخواتم الدرامية السعيدة.
هكذا تميزت نصوص المسلسل على مدى الأجزاء الثلاثة. قوتها في خوض اللا منتظر، وذهابها الى مآلات غير محسوبة.
تتميز الحلقة الأخيرة بايقاع سريع يشد الأعصاب. مشاهدها زاخرة بالاكشن والعواطف والخوف والترقب والصدمات. وتستشعر اثناء متابعة هذه الحلقة تحديداً، وكأنك أمام الشاشة الكبيرة، شيء من أجواء السينما يطغى عليها.
غير أن خروج “كارما” (ورد الخال) الى الحياة مجددا، بعد حوالى سبع طلقات فرّغتها “سحر” (ماغي بو غصن) في جسدها، لم يكن أمراً مقنعاً، وان حافظ هذا الأمر على عنصر المفاجأة. عدا ذلك، كانت الحلقة مشدودة، متماسكة، قوية بأداء أبطالها اللبنانيين والسوريين، “ساحرة” بأداء “سحر” إثر تعرضها للصدمة.
حافظ “للموت” في الجزء الثالث عموماً على ألقه. مرّر النص رسائل عدة، فكان تارة مستلهماّ من دروس الحياة، وطوراً نصير المرأة. حواراته ذكية ومستفزة للتفكير. وحتى بعض النقاط التي كنا نحسبها نقصاً ما، كانت الحوارات سرعان ما تسدها كثغرات محتملة. هكذا عملت نادين جابر، بتيقظ مستمر، على تطويق العمل بحجج مقنعة قدر الإمكان، على لسان شخصياتها، من مثل ان يكون “حاتم” السوري و”كارما” شقيقين، لتوضح على لسان “حنان” (رندة كعدي) انهما من والدتين لبنانية وسورية، أو أن يكون هناك كاميرا مراقبة في حي شعبي معدم، ليـأتي التبرير بأن أحد المحال فيه كان تعرض للسرقة، فاضطر صاحبها للاستعانة بالكاميرا… وهكذا.
غير أن خطّاً درامياً فرعياً لم يتمتع بالقوة ذاتها، وهو الذي يتمثل بترشح “محمود” (وسام صباغ) للانتخابات، خاصة مع بعض العبارات التي قيلت بهذا الصدد، فكانت أقرب الى “الكليشيه”. وكل ما تبع هذا الخط، بدا وكأنه في غير مكانه، بدءا من خشية المافياوي”شفيق” (كميل سلامة) من أن ينافسه شاب بسيط، وصولاً الى حمل والدته معه على الأكتاف بعد فوزه..
لعل هذا العمل “محظوظ” من خلال تكامل عناصره. فلم تُظلم أي من مقوماته، من متانة النص المتجدد، الى براعة الممثلين، وصولاً الى إبداع الاخراج. فيليب أسمر مبتكر في رسم المشهد، يعمل على التفاصيل، ليس تقنياً وفنياً فحسب، بل يضفي أيضاً روحاً متقدة على الصورة.
وبالعودة الى الحلقة الأخيرة ، فقد تميزت باقفال بعض الخطوط بمنطقية، من مثل نهايات “سارية” (كارول عبود”) و”أمين” (فادي ابي سمرا)، لتبقى نهاية الخطوط الرئيسية قابلة للتأويل، ومفتوحة على احتمالي استكمال الأحداث لاحقا من عدمها، وهو ما يُبقي ايضاً شهية المُشاهد مفتوحة، فلا يشعر بالإشباع، لأن النهاية السعيدة تروي الغليل وتسد الفضول.
ولكن في ما يخص صناع العمل، الأجدر التروي طويلا قبل الاقدام على الإقفال أو الإستكمال. فثمة تجارب عدة في الدراما الأجنبية يمكن الاستلهام منها، مثل Breaking Bad الذي اُنتج منه خمسة أجزاء، بدأت من الجيد الى الأقوى، في مقابل Prison Break الذي بدأ قوياً ثم تراجع بأجزائه الأخيرة.
إذن المضي بأجزاء جديدة امرا ليس مضمونا دائما. ويمكن من باب الخيارات المحتملة، ان يُقفل “للموت” بفيلم سينمائي، كما حصل مع Breaking Bad (علماً أن ذلك أيضا ينطوي على مخاطرة)، ولكن أجواء الحلقة الأخيرة هي التي أوحت لنا بامكانية مشاهدة مثل هذه الأجواء ومثل هؤلاء الأبطال على الشاشة الكبيرة.
وأخيراً، يبدو بديهياً ان يصل “للموت” الى العالمية، كما صرح مؤخرا المنتج جمال سنان في حفل الافطار، من خلال طلب منصة اميركية هامة شراء حقوقه لانتاج نسخة أميركية منه. فالنجاح لا يأتي وليد الصدفة. (توقعنا ذلك في مقال سابق بعنوان: “للموت”: فخر الصناعة اللبنانية )
يذكر ان “للموت-3” بطولة ماغي بو غصن، دانييلا رحمة، ورد الخال، مهيار خضور، يامن الحجلي، فايز قزق، سحر فوزي، احمد الزين، رندة كعدي، ريان الحركة، وسام صباغ، دوجا حجازي، ختام اللحام. محمد عقيل، ساشا دحدوح. انتاج “ايغل فيلمز”، المنتج المنفذ جويل بيطار، اخراج فيليب اسمر.
نرشح لك:
شاركنا النقاش