الفجيرة: فاتن قبيسي|
يضج الفنان السوري جمال سليمان بحيويته المعهودة. يقسم وقته بين الفن والعائلة وحتى المؤتمرات السياسية. كما بات يخصص ايضا حيزا زمنيا للكتابة. لكنه ارادها مؤخرا استراحة قصيرة في الامارات، ملبياً الدعوة الى “مهرجان الفجيرة الدولي للفنون”.
يحضر عروض “المونودراما” تارة، وينحو طورا باتجاه القرية التراثية التي يشهد مسرحها بعض الحفلات. ويتنتقل في القرية التراثية ملقيا التحية على هذا وذاك بتلقائية وخفة ظل. يخاطب بظرف النساء الاماراتيات ممن يعجنّ الخبز المرقوق او حلوى العوامات او يطهين “الهريسة” فوق الحطب، ويتبادل النكتة مع طاهية الحمص قائلا لها وهو يتذوقه بانه يسمى باللهجة الشامية “بليلة”. ومن باب التعريف اكثر بما يقول، يأخذه مزاجه المحبب الى تذكير من حوله بالاغنية الشهيرة المرافقة لمسلسل “باب الحارة”، مرددا بايقاع طريف: “بليلة بلبلوك…بلييييلة..”
هذا هو الوجه المرح للفنان جمال سليمان، الذي يعلق في الذهن بعض ادواره في الشخصية الفذة القيادية كالرجل الصعيدي (حدائق الشيطان)، او صلاح الدين الايوبي (يحمل العمل الاسم نفسه) او الزعيم جمال عبد الناصر (صديق العمر)، او العمدة (افراح ابليس) وما الى ذلك.. يأخذك الحديث طويلا معه، وهو الذي يتنقل بك ما بين الفن والسياسة والثقافة. تتفاعل ملامحه مع كلامه مستبطنة ابتسامة خفيفة، تغدو احيانا جزءا من ادوات التعبير.
يتفاعل سليمان في المهرجان مع كل الفنون المعروضة.. وربما شكل هذا الحدث فسحة له وهو الخارج للتو من ارهاق التصوير للجزء الثاني من المسلسل المصري “افراح ابليس”. العمل الذي صور جزأه الاول في العام 2009، بمشاركة الفنانين عبلة كامل، وريهام عبد الغفور، اخراج سامي محمد علي.
ولكن ما الذي اعاد احياء هذا العمل بعد مضي حوالي تسع سنوات من خلال انتاج جزء آخر؟
“شاشات” التقت سليمان في الفجيرة، ويجيب على السؤال المطروح: “مع نهاية تصوير الجزء الاول من “افراح ابليس”، كان هناك فكرة انتاج جزء ثان، ولكن كان لدي ارتباط معين. ثم مرت ضروف صعبة كمرض الكاتب محمد صفاء عامر ثم وفاته. وقبلها حصلت الثورة في مصر، فتعطل المشروع. وفي العام الماضي، تحدث اليّ المنتج لؤي عبد الله بالموضوع، وقلت له بان امورا كثيرة قد تبدلت بعد مرور حوالى تسع سنوات، فأكد بأن هذه التغييرات ستُأخذ بعين الاعتبار في الجزء الجديد. وعليه، تم الاتفاق.
والجزء الثاني من المسلسل الرمضاني يشارك فيه كل من الفنانين: صابرين، ومنى فضالي، واحمد حلاوة وكمال ابو رية. وهو من تأليف الكاتب مجدى صابر، واخراج احمد خال امين.
وعما اذا كان يتوقع نجاحه كالجزء الاول، يقول: لا يمكن لاي فنان ان يضمن رد فعل الجمهور على اي عمل. المسألة صعبة جدا. كالصياد الذي لا يثق بان غنيمته اليوم ستكون كالامس. اننا كفنانين نبذل جهدا كبيرا، والباقي على الله.
وسليمان الذي قدم في مصر اعمالا معظمها لاقى نجاحا، كان آخرها “افراح القبة” في العام 2016، هل يعزو ذلك الى الاجتهاد في اختيار النصوص ام لنضوج تجربة مصر الدرامية قياسا الى غيرها في العالم العربي اليوم؟
يبتسم وهو يجيب بتأن: وما التوفيق الا من عند الله. نحرص على تقديم العمل الجيد، الذي يحترم عقل المشاهد. واحيانا يكون العمل اقل من الطموح، ولكن علينا المثابرة قدر الامكان للارتقاء بالمهنة ونيل رضى المشاهد. كما ان الدراما المصرية محترفة جدا.
ولكنه بانتقاله الى العمل في مصر منذ سنوات، لم ينقطع عن الدراما السورية، وقد شارك في السنوات الاخيرة في بعض الاعمال، مثل “العراب- نادي الشرق”، و”أهل الغرام”، و”اوركيديا”. وفي هذا المجال يقول سليمان: لم يعد لدي حاجة كايام الشباب للمال والشهرة. انا ابحث عن النوعية، وتقديم عمل واحد جيد سنويا افضل من خمسة اعمال متوسطة المستوى بالنسبة لي.
ولكن هل كان “اوركيديا” تحديدا عملا جيدا يعكس الطموحات؟ يجيب بقوله: كنت اتمنى ان يكون اكثر متانة. هو جيد، ولكنه لا يرقى الى مستوى الاعمال التاريخية السابقة. الفرص المتاحة بالدراما السورية ضئيلة. سوريا كلها تمر بمحنة. فما بالك بالدراما؟ نحتاج الى تمويل ومحطات للتسويق والعرض، والى موضوعات جديدة، ومعرفة ما اذا كان علينا ان نتحدث عما يجري اليوم او نتجاهله بالمطلق. كما اننا نحتاج الى مكان يجمعنا للتصوير، فكثير من السوريين لا يدخلون سوريا، وبعضهم بسبب موقفهم من النظام.
ويضيف: عندما اصبحت الدراما السورية مهمة، واصبح هناك نجوم، انتبه النظام لهذا الامر، وراح يطلب من بعض رجال الاعمال افتتاح شركات انتاج، كي تبقى هذه الصناعة بايديهم. وهكذا اصبح هناك دخلاء على اهل المهنة.
ويستدرك بقوله: ولكن لا يعني ذلك الابتعاد. فاي فرصة في الدراما السورية تُعرض علي بشروط مقبولة، لن اقصر بخوضها دفاعا عنها، ومن اجل ان تبقى حية.
ولكن كيف يمكن انقاذ الدراما السورية اليوم؟ يرد سليمان: ليس بامكاننا انقاذها اليوم. علما ان هناك نافذة ضيقة، يقاتل من خلالها بعض السوريين لانقاذها عبر اعمال تنطوي على سوية جيدة. ولكن الفن في كل الاحوال، هو جزء من مشروع وطني كبير، هما لا ينفصلان. اي عمل جيد يحتاج الى محطة، والى مناخ ثقافي وسياسي محترم.
وعن ظاهرة الاعمال العربية المشتركة، يقول: لن تستمر لأنها مفبركة باغلبها، وتعيش لسنوات قليلة ثم تتلاشى. اننا نحتاج لسبب منطقي لاجتماع ممثلين من جنسيات مختلفة، والى موضوع يبرر ذلك.
وجمال سليمان الذي خاض تجارب سينمائية سابقة من مثل “عائد الى حيفا”، و”المتبقي”، و”حليم” مع الراحل احمد زكي، و”ليلة البيبي دول”، اين هو من السينما اليوم؟ يجيب: السينما لها خصوصيتها. ولها نجومها وموضوعاتها. لم يعرض مؤخرا علي ما يناسبني. ولكن في الوقت نفسه، لا اشعر انه ينقصني شيء. سيما وان خوضي المجال السينمائي اليوم يجب ان يشكل لي خطوة الى الامام.
وفي الختام يكشف سليمان عن خوضه مجال الكتابة من خلال مسلسل تلفزيوني حول الازمة في سوريا، لكنه لم يلق تعاونا لانتاجه، ما يدفعه حاليا الى تحويله الى رواية.
شاركنا النقاش