ماهر منصور|
ربما صار من اللازم أن ترتفع أصواتنا رافضين حالة الاغتصاب التي يتعرض لها النص الدرامي السوري في الأعمال التي ينتجها اللبنانيون اليوم بمشاركة سوريين، كتاباً ومخرجين وممثلين، ويسمونها زوراً “دراما عربية مشتركة”، ونسميها دراما لبنانية بمواصفات الصناعة السورية.
“اغتصاب” النصوص السورية أو التدخل في مرحلة التفكير فيها هو التعبير الأمثل لما حدث ويحدث اليوم. فإلى جانب النصوص التي يجبر أصحابها على (لبننة) جزء من شخصياتها أو خطوطها الدرامية، ثمة اغتصاب فكري حين يجبر الكاتب الدرامي السوري على تطويع عقله كمؤلف، لا نصه ليتناسب مع توجهات المنتج اللبناني وشروطه المسبقة.
بالتأكيد لا نتكلم، هنا، عن تلك النصوص العابرة للحدود، والتي تفترض طبيعة عوالمها الحكائية تعدد اللهجات والبلدان فيها، فلسنا بالسذاجة لنعترض على هذه النوعية من النصوص، ولا نتكلم عن النص السوري الذي يشارك فيه لبنانيون، ومنهم من يجسد فيه أدوار البطولة، فذلك من طبيعة الدراما السورية منذ عقود.. وأيضاً نملك من المعرفة بمعنى الدراما وقيمتها وقيمها ما يجعلنا نؤمن بدورها كجزء فاعل في ثقافة الانفتاح على الآخر والحوار الحضاري معه، وما يجعلنا نسمو معها فوق أي تعصب لعرق أو بلد.
ما نتكلم عنه بالتحديد، هو قولبة عقل التأليف السوري لإنتاج هذا النص بمواصفات لبنانية محددة، وأحياناً لوجوه محددة، وما تخضع له النصوص السورية من عمليات بتر قسرية لتصبح على مقياس تلك المواصفات، وهو ما لا أجد معنى دقيقاً للتعبير عنه، سوى كلمة “اغتصاب”.
في هذه الحالة من ندين، المنتج اللبناني أم الكاتب السوري…؟!
ببساطة كلاهما ليسا مدانين بالدرجة الأولى، فالأول من حقه ما دام هو صاحب رأسمال، أن يهندس النص كما يناسب مصلحته وتوجهاته، الشخصية منها على وجه التحديد، وكيف نلومه على شيء سبقه إليه منتجون سوريون ويسابقونه الآن عليه، على الأقل هو لم يأكل حقوق صناع الدراما وهضم أجورهم.
في المقابل لا يحق لنا أن ندين كاتباً على سعيه لتحصيل لقمة عيشه، وإن كنا شهدنا من قبل البعض محاولات ذكية لاستيعاب متطلبات المنتج اللبناني، مع الحفاظ على الهوية السورية للمنتج الدرامي. وبكل الأحوال الكاتب السوري في هذه المعادلة، يأخذ دور الضحية أكثر من كونه شريكاً للجناة، ومن الخطيئة أن ندين الضحية.
هذا ما يجعلنا أن نقول (صوناً لكرامة نبي وسط أهله) بأننا لا نطالب كتاب النصوص تحديداً، بالظهور الإعلامي لتبرير عمليات القولبة أو البتر التي خضعت لها نصوصهم، ونقف في وجه كل من يقزم المشكلة ويقول إن على كتاب الدراما السورية حمل نصوصهم ورفض الخضوع لعمليات الابتزاز التي يتعرضون لها. وفي المقابل نطالب الجميع، منتجين لبنانين وصناع دراما سوريين، باحترام عقولنا، وعدم المبالغة بالحديث عن مقتضيات اللعبة الفنية، والشراكة الإبداعية التي أنجبت هذه النصوص.
وفي هذه الحالة من ندين بسبب ما اغتصب من نصوصنا الدرامية، ومحاولة الإجهاض الذي تعاني منه قبيل ولادتها على الورق، وفي وجه من.. ترتفع أصواتنا؟
ببساطة، الإدانة لا بد أن تكون في وجه كل من تسبب بجملة من المشكلات التي لطالما أرخت بظلالها على صناعة الدراما السورية، وكانت سبباً لحالة انحسار فني وفكري للمسلسل السوري ولفوضى الإنتاج التي نشهدها منذ سنوات، وتتجاوز السنوات الثمانية الأخيرة بكثير، وصولاً إلى حالات استغلال وضياع حقوق صناع الدراما والمساهمة في ارتمائهم في أحضان الآخرين.
وكلنا إيمان بأن ما حدث ويحدث ليس نهاية النص الدرامي السوري ولا نهاية مبدعيه، إذ لطالما أبدى هؤلاء أصالة منبتهم الدرامي وفهمهم لجوهر ما يقدمونه ووعيهم لأهميته، من خلال نوعية أعمالهم، وندرك أنهم سريعاً سيتجاوزون كبوة الفارس في وجه هذه الريح، ويعودون إلى ما كانوا عليه.
(الصورة : لقطة من “بقعة ضوء”)
شاركنا النقاش